مرت أمس الذكرى الرابعة لوفاة التونسي محمد البوعزيزي، مُفجّر "ثورة الياسمين" الذي رسم بجسده المحترق معالم طريق التغيير في بلاده، فيما تونس لا تزال نشوى بنجاح تجربتها الديموقراطية التي تمثلت في انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة. لم يكن البوعزيزي يعلم أنّ غيابه سيمنح تونس فرصة نيل ثلاثة انتصارات شعبية، كان أولها نجاح التظاهرات في اسقاط نظام زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني (يناير) 2011 بعد ربع قرن من امساكه بالحكم، وثانيها اتفاق الأحزاب التونسية على منح المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية الموقتة نيابة عن حركة "النهضة" الاسلامية، في خطوة أظهرت للعالم امكان انخراط الاحزاب التونسية بكافة عقائدها وتوجهاتها في العمل السياسي. أما الانتصار الثالث فتحقق ففي 31 كانون الثاني (ديسمبر) المنصرم مع فوز الباجي قائد السبسي عن حزب "نداء تونس"، بمنصب رئاسة الجمهورية في أول انتخابات رئاسية مباشرة بعد رحيل نظام بن علي، لتقع على عاتقه مسؤولية اعادة توحيد مكونات المجتمع المدني تحت راية المصالحة الوطنية. كانت مدينة سيدي بوزيد في 17 كانون الثاني (ديسمبر) 2010، الشاهد على موت البوعزيزي الذي فضّل اضرام النار في جسده على قبول الاهانة من الشرطة التي صفعه احد افرادها على مرأى من الناس بعدما صادرت عربة الخضار التي كانت مصدر رزقه. أثر موته في كل شاب تونسي، ودفعه الى المطالبة بحقه في الحصول على عمل والانخراط في السياسة، وحقه في الاحتجاج السلمي على اي ممارسات تنتقص من انسانيته. وها هي بلاده تتعافى من كبوتها لتنطلق مجددا على طريق اعادة البناء، بعدما انتقلت عدوى انتفاضتها الى عدد من الدول العربية. نشأ طارق الطيب محمد البوعزيزي في عائلة من تسعة أفراد أحدهم معاق، واضطر للعمل في سن العاشرة لاعالة أسرته بعد وفاة والده وهو في سن الثالثة، ما حدا به في النهاية الى ترك المدرسة والتفرغ للعمل. تقدّم لشغل وظائف عدة أحداها الشرطة ولم يوفق، لينتهي به الأمر بائع خضار متجولا، يحصّل شهريا مبلغاً لا يتجاوز 140 دولاراً بالكاد يكفي لاطعام عائلته.