تواصل إسرائيل تخبطها في كيفية «أكل» تقرير غولدستون الأممي الذي دانها بارتكاب جرائم حرب ويهدد أركانها السياسيين والعسكريين بالملاحقة القضائية في المحاكم الدولية. وأبدت محافل سياسية وأمنية قلقها من أن التقرير ما زال ضمن المواضيع الرئيسة على الأجندة الدولية، كما ما زال وارداً طرحه على مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس أمس أنه في إطار بحث إسرائيل المتواصل عن منفذ قضائي لحماية نفسها دولياً، تدرس وزارة القضاء إمكان توصية الحكومة بتشكيل «لجنة خاصة» تبحث في استنتاجات تقرير غولدستون، شرط ألا تكون لجنة تحقيق رسمية مخولة صلاحيات فعلية مثل إدانة أي من المسؤولين والضباط الذين سيدلون بإفاداتهم. وقالت الصحيفة إن الغرض الرئيس من تشكيل لجنة كهذه هو قطع الطريق على احتمال دحرجة التقرير إلى أروقة مجلس الأمن ومنه إلى المحكمة الدولية في لاهاي لمحاكمة إسرائيل على ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. ووصفت الصحيفة اللجنة المنوي تشكيلها بأنها «لجنة للحماية من تقرير غولدستون». وما زالت إسرائيل تتخبط، وفقاً للصحيفة، في كيفية «إيجاد المعادلة القانونية الصحيحة» لمواجهة التقرير وتداعياته في الحلبة الدولية، خصوصاً بعدما عادت السلطة الفلسطينية لتطالب مجلس حقوق الإنسان في جنيف بالنظر فيه. ويدرس المسؤولون القضائيون برئاسة المستشار القضائي للحكومة مناحيم مزوز، وبالتعاون مع الهيئة القضائية في الجيش الإسرائيلي ومسؤولي وزارة الخارجية، تقديم توصية للحكومة بتشكيل «لجنة تحقيق مستقلة» تعنى بدرس استنتاجات التقرير، على أن تترأسها شخصية قضائية مرموقة تتمتع بالصدقية في إسرائيل وخارجها يكون هدفها الأساس الرد على التقرير، لكن من دون أن تكون لها صلاحيات بالتوصل إلى «استنتاجات شخصية» ضد مسؤولين عسكريين، وأن تكون مهمتها الأساس وضع قواعد سلوك للجنود في حالات مماثلة في المستقبل. ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن جهات أمنية قولها ان لا نية لتعيين لجنة تحقيق رسمية «تجر قادة الجيش وضباطه إلى معركة قضائية منهكة»، إنما لجنة لا يتم تسريب مداولاتها على نحو يكشف أسراراً أمنية أو يعرض العسكريين الذين سيدلون بشهاداتهم أمامها إلى احتمال محاكمتهم أو إلى احتمال قيام جهات خارج إسرائيل باستغلال إفاداتهم للمطالبة بمحاكمتهم أمام محاكم دولية. وتابعت أنه ستناط باللجنة مهمة النظر بجدية في ما إذا حصلت خلال الحرب على غزة انتهاكات للقانون الإسرائيلي أو القانون الدولي وفحص سيرورة اتخاذ المستويين السياسي والأمني قراراتهما خلال الحرب أو استعمال ذخيرة محظورة وفحص ادعاءات بأنه تم المساس بمدنيين أبرياء ومساجد ومؤسسات عامة. وتقر محافل سياسية إسرائيلية بأنها لم تتوقع أن يبقى «تقرير غولدستون» في مركز الأجندة الدولية. وتقول أوساط قضائية وسياسية وأمنية إن التقرير «يضع إسرائيل في موقع سيىء أمنياً وأخلاقياً وقضائياً، وتداعياته ليس أنها لم تختف وتتبخر فحسب، بل تشتد وطأة مع مرور الوقت، ويومياً نسمع اتهامات وتهديدات باتخاذ خطوات قضائية وعقوبات اقتصادية من جهات لها مكانتها الدولية»، وعليه ترى الأوساط القضائية أن تشكيل «لجنة تحقيق» سيساهم في كيفية معالجة الدعاوى القضائية التي قد تقدم إلى محاكم في أوروبا ضد ضباط إسرائيليين، لكنها أضافت أن تشكيل اللجنة لا يعني أن إسرائيل توافق على استنتاجات التقرير «القائمة على افتراضات غير موضوعية وغير مبررة في شأن تعمد الجنود الإسرائيليين المساس بالمدنيين». مع ذلك تأمل إسرائيل أن يشفع لها تعيين اللجنة في المحافل الدولية من خلال الادعاء بأن إسرائيل احترمت التقرير وقامت بدرس استنتاجاته. إلى ذلك، أبدت أوساط إسرائيلية قلقها من قرار السلطة الفلسطينية الطلب من جديد من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف النظر في تقرير غولدستون، بعدما أرجأت ذلك قبل عشرة أيام. وقالت هذه الأوساط إن إسرائيل «جنت على نفسها» عندما تبجح مسؤولوها بنجاحهم في الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لسحب طلب النظر في التقرير، ما أحرج الأخير واضطره إلى إصدار تعليماته لممثل السلطة في الهيئة الأممية لإعادة طرح الموضوع على جدول أعمال المجلس. وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن أركان الحكومة الإسرائيلية شرعوا في إجراء اتصالات مكثفة مع الدول الأعضاء في المجلس الأممي لإقناعهم بعدم البحث مجدداً في التقرير، مهددين بأن إسرائيل لن تستأنف المفاوضات مع الفلسطينيين «في حال تم جرها إلى المحكمة الدولية في لاهاي».