تقديماً للعمل التلفزيوني الجديد الذي يبدأ نجدة اسماعيل انزور في تحقيقه انطلاقاً من مسلسله الأخير «رجال الحسم» الذي كان من ابرز ما عرض خلال موسم رمضان الفائت، بعث المخرج بهذا النص الى «الحياة»: ما الذي يمكن شخصاً مثلي أعطى حياته للصورة، أن يقوله عن الجولان؟ بخاصة أن من المعروف أن هضبة الجولان بعمر سورية، وسورية هي بعمر الإنسان. الأمر الراسخ في قرارة نفسي هو أن الجولان كان عربياً سورياً منذ قديم الزمان، ففيه قامت دولة العرب الغساسنة، وعلى أرضه قامت مدينة عربية من أهم مدن العصور الإسلامية المتلاحقة هي مدينة بانياس، التي تشهد على عظمتها آثارها العربية الباقية حتى اليوم. وعلى تراب الجولان الطاهر جرت موقعة اليرموك الحاسمة التي دارت رحاها عند نهر اليرموك (20 آب / أغسطس 636م.) بين القوات الإسلامية بقيادة خالد بن الوليد والقوات البيزنطية، والتي ألحقت فيها جيوش الفتح العربي بالبيزنطيين هزيمة شنعاء كان من نتائجها تحرير سورية من البيزنطيين وخروجهم من الشرق العربي برمته. وبحكم موقعه القريب من فلسطين، كان الجولان هو الجبهة الأهم لمقارعة الكيان المصطنع الذي أقامه الفرنجة في بيت المقدس. وكان الجولان ممراً وميداناً لكثير من المعارك التي وقعت مع الفرنجة خلال أيام ظهير الدين وعماد الدين ونور الدين، تلك المعارك التي تتوجت بمعركة حطين الفاصلة (عام 1187) بقيادة السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس وطرد الفرنجة من الشرق. وها هو الجولان الآن في سجن الاحتلال، بسبب كيان مصطنع آخر، نشأ في فلسطين هو الكيان الصهيوني! وكما أنا واثق من زوال حكم الفرنجة من بيت المقدس، فأنا على أتم الثقة بأن مصير الفرنجة الجدد سيكون مثل مصير أسلافهم! ثمة سؤال آخر يبدو لي أكثر إحراجاً من السؤال السابق: ما هو واجبنا نحن الفنانين الذين نعمل في مجال السينما والتلفزيون تجاه الجولان؛ هذه القطعة الغالية من جسد بلدنا الحبيب سورية؟ قديماً قيل إن الفن هو تعبير عن الحياة بكل أبعادها. ومنذ أن طرح سؤال: ما هو الفن؟ للمرة الأولى لم يتوقف هذا السؤال عن إعادة طرح نفسه؛ الفيلسوف كانط قال: «الفن متعة لذيذة»، والفيلسوف هيغل قال: «الفن مملكة الرائع»، والشاعر شيللر قال: «الفن هو مملكة الوهم الجميل»، والفيلسوف كروتشه قال: «الفن حدس» وغيرهم قالوا: «الفن رؤيا»؛ «الفن أسلوب حياة»... إلخ. اما أنا فلن أنحاز الى أي من هذه التعريفات، ولن أحاول التوفيق بينها، كما أنني لن أقدِّم تعريفي الخاص للفنِّ، لاعتقادي بأن الفنَّ عصيٌّ على التعريف. فالفن الحقيقي برأيي يحاول أن يعبر عما لا يمكن الكلمات أن تفصح عنه. ليست مهمة الفنِّ أن يعظ المشاهد، بفيض لا ينتهي من الكلام! المهمة الحقيقية للفن في اعتقادي هي أن يوحي بمشاعر وانطباعات وأحاسيس وجماليات، لإشراك المُشاهد بها وتغييره من خلالها. ليس الجولان مجرد هضبة محتلة من سورية، بل هو قلب سورية العربي الذي سيعود الى الجسد الأم عاجلاً، أما الاحتلال الراهن فلن يعدو كونه طبقة من الغبار ستبددها الريح ويزيلها المطر! لهذا كله أود أن أقول باسمي شخصياً وباسم كل السوريين إن الجولان ليس جزءاً من ماضينا وحاضرنا فقط، بل هو جزء من مستقبلنا أيضاً.