بالنسبة للكثير من الجماهير السعودية فإن تاريخ المدرب المكلف بالإشراف على المنتخب السعودي في بطولة أمم آسيا الروماني أولاريو كوزمين انطلق مع وصوله إلى السعودية وتوليه مهمة تدريب الهلال عام 2007، لكن رحلته التدريبية بدأت بالفعل قبل ذلك بسبع سنوات حين تولى بعد اعتزاله مباشرة وتحديداً عام 2000 منصب المدير الفني لنادي ناشونال بوخارست الروماني، إذ كان للتو اختتم مسيرته الكروية لاعباً لنادي جيف يونايتد شيبا الياباني. وبعيداً عن عصبيته الظاهرة، أو حتى تصاريحه غير المتوقعة، يملك كوزمين من الدهاء الكروي ما يكفيه لاكتساب شعبية لافتة مع كل الأندية التي تولاها خلال الأعوام ال14 الماضية، إذ تولى الإشراف على تسع أندية ومنتخب وحيد، فيما قسمت سنواته التدريبية مناصفة بين رومانيا ومنطقة الخليج، وخلال كل التجارب تقاسم مع اللاعبين وبحصة كبيرة الشعبية الجماهيرية. رحلة كوزمين التدريبية لم تعرف الهدوء في أيٍ من مراحلها، فعصبيته التي تعرفت عليها جماهير الخليج لم تأتِ وليدة الأجواء الساخنة في المنطقة، بل بدأت معه في رومانيا، يكفي أن تعرف أنه ترك تدريب أكبر أندية بلاده ستيوا بوخارست بعد سبعة مباريات فقط بعد أن أكد إعلامياً أنه لم يجد التعاون اللازم من اللاعبين وإدارة النادي، إذ كان المدرب الحالي لنادي الاتحاد فيكتور بيتوركا يحظى بدعم واسع من اللاعبين الراغبين في عودته إلى الفريق، ما أنهى سريعاً رحلة كوزمين الذي تلمس محاولات اللاعبين إقصائه ليتولى بيتوركا المنصب ذاته. ثانية عاد كوزمين إلى ناديه الأول ناشونال بوخارست، مع هذا النادي لم يتذوق كوزمين طعم الذهب أبداً، ففي موسمه الأول حل مع الفريق في المركز السابع، لكنه عاد في الموسم الثاني ليخطف الأضواء ويحقق وصافة الدوري الروماني عام 2002، متقدماً في الترتيب على ستيوا بوخارست الذي بحث سريعاً عن خطب وده وانتدبه لتدريب الفريق لتنتهي تلك التجربة بعد سبعة مباريات فقط. في فترته الثانية مع ناشونال تولى كوزمين منصب المدير العام للفريق حتى نهاية الموسم، إذ كان منصب المدير الفني موكلاً إلى مدرب النصر السعودي السابق ومدرب الجزيرة الإماراتي الحالي والتر زينغا، لكن علاقته بناشونال انتهت في شتاء عام 2005، إذ انتقل لتدريب نادي بولتنكا تيميسورا الروماني، ومعه قضى تجربة قصيرة قبل أن تقيله إدارة النادي. ربما أن كوزمين لم يكن يدرك لحظة إقالته أن علاقته بالمجد كانت ستبدأ للتو، كان ستيوا بوخارست النادي الأشهر في رومانيا شهد تغييرات إدارية وفنية واسعة منذ أن تركه أولاريو عام 2002، إذ عاد في 2006 ليحصد أول بطولة له في مشواره التدريبي بعد أن حقق لقب الدوري للموسم ذاته، وما أن فك عقدة غياب الذهب حتى عاد لتحقيق كأس رومانيا بعد لقب الدوري بأسبوع واحد فقط، وشارك للمرة الأولى في تاريخه في دوري أبطال أوروبا ليخطف أنظار أبناء الخليج. من هناك بدأ كوزمين في ترسيخ معادلته التدريبية فمنذ أن حقق لقبه الأول مع ستيوا وحتى اليوم لم يترك الداهية الروماني أية محطة تدريبية إلا وحقق فيها لقباً واحداً على الأقل. بعد مشاركة أولاريو في دوري أبطال أوروبا بدأت إدارة نادي الهلال بقيادة الأمير محمد بن فيصل حينها بمفاوضتها معه، ونجحت في التعاقد معه. خلال رحلته مع الهلال والتي امتدت لموسم ونصف الموسم حقق الروماني بطولة الدوري السعودي مرة وكأس ولي العهد مرتين قبل أن يبعد عن السعودية، بعدها توجه إلى قطر وهناك تولى مهمة الإشراف الفني على نادي السد القطري، وبحسب مقربين من كوزمين فإن الروماني لم يجد ومنذ يومه الأول مع الفريق العوامل القادرة على إقناعه بالاستمرار، غير أنه رفض مغادرة أسوار النادي من دون تحقيق لقب رغبة في المحافظة على عادته في كل محطة، ويمكن تلمس ذلك من خلال حرصه على إنهاء علاقته بالسد فور تحقيق السد كأس نجوم قطر. لم يبتعد كوزمين كثيراً عن منطقة الخليج التي حقق فيها جل أمجاده التدريبية، فتوجه إلى الإمارات ليقود العين إلى تحقيق لقب الدوري مرتين عام 2011 و2012، إضافة إلى تحقيقه كأس السوبر الإماراتي، وبعد خلافات وصلت أصداؤها إلى دور القضاء تولى الروماني مهمة الإشراف الفني على الغريم نادي الأهلي الإماراتي، ليحقق أيضاً لقب الدوري في الموسم الماضي، قبل أن يضم لها كأس السوبر. أولاريو كوزمين الحاضر الغائب لسنوات في الأحاديث الرياضية السعودية تولى في خبر مفاجئ تدريب المنتخب السعودي، بمباركة أصحاب القرار في النادي الأهلي الإماراتي شريطة أن تنتهي علاقته بالأخضر فور نهاية البطولة وهو ما كان، واليوم تنتظر الجماهير من الروماني المميز على أقل تقدير الخروج بصورة تليق بمنتخب سبق وأن حقق اللقب ذاته ثلاث مرات، فيما شارك في مباراته النهائية ست مرات كان آخر عام 2007. لكن كوزمين يرى الأمور بمنظور مختلف، بالنسبة للروماني خروجه من البطولة الوحيدة التي يتولى فيها مهمة الإشراف على «الأخضر» يعني كسره لقاعدة لازمته طوال السنوات السبعة الماضية، ومع خمسة أندية مختلفة، وهي التي ترفض مغادرة أية محطة من دون لقب، فهل يكسر «الأخضر» قاعدة كوزمين بالخيبات التي لاحقته في الأعوام الأخيرة، أم يفرض الروماني قاعدته على المنتخب فيعيد الفرح إلى المدرج المتعطش. المجموعة والفرد بالأهمية ذاتها الأكيد أن وراء الشعبية الجماهيرية الكبيرة التي كسبها الروماني أولاريو كوزمين الكثير من التفاصيل الفنية الصغيرة التي نجحت في تسجيل الحضور الفني اللافت للفرق التي دربها، وهو ما لمسته الجماهير السعودية خلال مرحلة عمل هذا المدرب في الهلال السعودي، وقوفاً على تلك الفترة يمكن التعرف على الكثير من المناهج التدريبية التي اعتمدها كوزمين. ومن خلال أحاديث الكثير من لاعبي الهلال، كان كوزمين من المدربين القلة الذين يركّزون في كل حصة تدريبية على الفرد والمجموعة، بمعنى أنه وفي أية حصة تدريبية يتولى الإشراف عليها يبدأ بالتركيز على عمل المجموعة بشكل كامل، لكنه في المقابل لا يغفل أبداً تدوين ملاحظاته على كل لاعب في المجموعة. ما أن تنتهي الحصة التدريبية حتى يعود المدرب الروماني للخوض في تفاصيل القصور لدى كل لاعب، فيحاول رفع معدل لياقة أحدهم، أو مطالبة آخر بتدريبات تقوية، أو حتى مطالبة لاعب معين بخوض تدريب منفرد على التسديد أو التمرير أو غيرها، ويدين الكثير من اللاعبين الذين أشرف عليهم كوزمين بالفضل إلى الروماني على تطويرهم في أكثر من جانب. لا تقبل هدفاً وانتظر هدفك كان كوزمين يكرس قاعدة لدى لاعبي الهلال إبان إشرافه على الفريق، إذ يكرر مطالبته الدائمة على اللاعبين بضرورة تحصين مرماهم قبل البحث عن الهدف، وهي سياسة يخالف بها الكثير من المدربين، لكنه ومن خلالها نجح في تعزيز تلك الثقافة في الهلال، فعلى رغم قلة الأهداف التي سجلها الفريق الأزرق معه إلا أنه نجح في تحقيق لقب الدوري. يرى كوزمين أن ولوج هدف في مرمى الفريق يعني ارتباكاً أكثر في صفوفه، بينما تعني قدرة الفريق على حماية المرمى منح اللاعبين الثقة والهدوء والتركيز متى ما كانوا مقتنعين بقدرتهم على وصول مرمى الخصم. الأدوار الدفاعية للاعبين وخصوصاً عناصر الهجوم في الفريق تدخل كثيراً في حكم كوزمين على لاعبيه، فلاعب مثل الليبي طارق التايب الذي أشرف عليه المدرب الروماني خلال تدريبه للهلال كان يتسبب في إشكال على الفريق، لاسيما وأن الليبي كان يحرص على تمرير كرات الحسم إلى المهاجمين مباشرة، ما يعني في معظم الأحيان أن خسارة تلك الكرة ستمنح الخصم فرصة ارتداد خطرة، وبالتالي كان كوزمين يزيد من تحصين الفريق دفاعياً متى كان التايب على أرض الملعب. الزوري والخثران وهوساوي بلمسة كوزمين في تجربة كوزمين مع الهلال تعرفت الكثير من الجماهير السعودية على الظهير الأيسر في فريقها عبدالله الزوري، ومنذ تجربة هذا اللاعب تحت إشراف المدرب الروماني تحول الظهير الشاب وطوال السنوات الماضية إلى عنصر ثابت في فريقه والمنتخب. منذ البدايات تلمس كوزمين في قدرات الزوري الدفاعية ما لم يجد في الكثير من المدافعين غيره، ولذلك نال هذا اللاعب من تركيز المدرب أكثر بكثير من حصة زملائه، ومن خلال عودة إلى عدد كبير من مباريات الهلال بقيادة كوزمين ومن خلال تركيز على الأصوات الصادرة من على دكة الهلال، تجد أن كوزمين صرخ أكثر من مرة باسم الزوري مقدماً التوجيهات التي صنعت حضوره الفني اليوم. الزوري كان نجماً يتعرف للتو على الأضواء، لكنه لم يكن الوحيد الذي وجد فرصة للتطور تحت قيادة المدرب الروماني اللاعب الشبابي الهلالي السابق عبدالعزيز الخثران، وعلى رغم تقدمه في العمر خلال خوض رحلته الاحترافية مع الهلال، كان واحداً من أبرز العناصر الفنية التي اعتمد عليها كوزمين، إذ وجد في هذا اللاعب ومن خلال نضوج فني بارز قدرة على تأدية أدوار مختلفة، لذلك حظي بتركيز واهتمام المدرب، وبالتالي وجد الفرصة الكاملة للحضور والتألق، وشكل أحد أهم عوامل نجاح كوزمين داخل الملعب. الحال ذاتها تنطبق تقريباً على مدافع الهلال السابق والمنتخب السعودي حالياً أسامة هوساوي الذي قدم إلى الهلال في السنة الأولى لتولي كوزمين المهمة الفنية، وعلى رغم أنه لم يجد الفرصة مع بداية قدومه من الوحدة، إلا أنه عاد ليتحول إلى أحد أهم العناصر الفنية في تشكيل هذا المدرب، الروماني ومن خلال اعتماده على الأداء الدفاعي، كان يخصص جل الوقت لشرح تقنيات الوقوف للمدافعين وأدوارهم حتى في حال الهجوم، المتابع لأسامة هوساوي طوال مسيرته الكروية، يجد أن مرحلة بروزه الفني الأكبر جاءت تحت قيادة كوزمين، وهو ما كان اللاعب أسر به إلى عدد من زملائه غير مره.