لم يحقق باراك اوباما أي سلام بعد. لا بين اسرائيل والفلسطينيين، ولا بين ايران والعالم، ولا بين بلاده ومقاتلي افغانستان. رجل بنيات سليمة، على ما يعلن خطابه، ترافقه رغبة في حل النزاعات بالطرق السلمية. لكن نيات ساكن البيت الابيض لا تكفي وحدها لتغيير نيات الآخرين، ولدفعهم الى مساعدته على نشر ثقافة السلام. على العكس قد تصيب مواقف الآخرين الرئيس صاحب النية الحسنة في مقتل، اذا لم يبادله هؤلاء الآخرون مواقفه الايجابية بمواقف مماثلة. المناخ الجديد الذي أشاعه فوز باراك اوباما حول العالم هو الذي يبدو أنه دفع هيئة جائزة نوبل لمنحه هذا التكريم الاستثنائي، من غير أن يكون قد حقق الى الآن أي انجاز فعلي يستحق منحه ميدالية السلام. حتى في مجال نزع الاسلحة النووية، الذي جعله اوباما شعاراً لولايته، لا تستطيع الولاياتالمتحدة الإقدام على خطوة كهذه اذا لم يرافقها تجاوب دولي مماثل من القوى النووية الأخرى. بهذا المعنى يمكن القول ان الجائزة هي ادانة لرئاسة جورج بوش ولسياساته، أكثر مما هي تكريم لباراك أوباما. لكن هذا التكريم يمكن أن ينقلب الى عكسه، اذا انتهت ولاية اوباما، وظلت الازمات التي ورثها عن سلفه على ما هي عليه، ليس لأنه لا يملك نية الحل، بل لأن الآخرين وجدوا وما زالوا أن فوزه شكل هزيمة لأميركا وانتصاراً لمشروعهم، وهو ما يدفعهم الى التشدد حيال التنازلات الضرورية من أجل السلام. يكفي فقط ان نراجع ردود الفعل التي ظهرت أمس على منح باراك اوباما هذه الجائزة. حركة «طالبان» اعتبرت ان الرئيس الاميركي لم يتقدم خطوة واحدة من اجل السلام أو في سبيل جعل افغانستان بلداً اكثر استقراراً. واقترحت منحه جائزة نوبل «لتأجيج العنف وقتل المدنيين». حركة «حماس» اعتبرت ان أمام أوباما طريقاً طويلاً قبل أن يستحق جائزة نوبل للسلام، فهو لم يقدم سوى الوعود ولم يسهم بشيء من اجل السلام العالمي، كما لم يفعل شيئاً لتحقيق العدل في قضايا العرب والمسلمين. و»الجهاد الاسلامي» وجدت ان الجائزة سياسية تفتقر الى الصدقية ولا تحكمها مبادىء القيم والاخلاق، خصوصاً ان «جنود اوباما»، كما وصفتهم، لا يزالون يقتلون الناس في العراق وافغانستان. اما ايران فقد خلا رد فعلها من الحملات المباشرة على الرئيس الاميركي، مع ان أحد مستشاري الرئيس احمدي نجاد أعرب عن الامل في أن تشكل جائزة نوبل حافزاً لأوباما لسلوك طريق يحقق العدل وينهي الظلم في العالم. قد يكون أوباما أول من فوجىء بنيله جائزة نوبل. فهو يدرك انه في وجه المرشد الايراني علي خامنئي ورئيسها أحمدي نجاد، وفي وجه الملا عمر وأسامة بن لادن، وفي وجه نتانياهو وأفيغدور ليبرمان، سيكون السلام الذي يطمح اليه بعيد المنال. واذا كان من درس من هذه الاشهر التسعة الاولى من الولاية، وخصوصاً في الازمات الثلاث المشتعلة، في افغانستان وفلسطين وفي المأزق مع ايران، فهو أن هذه الازمات الموروثة صعبة الحل، وان تغيير طريقة العلاج لن يؤدي بالضرورة الى شفاء أميركا من مصاعبها واخراجها من هذه الازمات بأقل قدر من الاكلاف. لم يسبق أن نال شخص جائزة نوبل للسلام مكافأة له على نياته الحسنة. رؤساء أميركا السابقون الذين كُرموا كانت لهم انجازات تاريخية. تيودور روزفلت ساعد على تحقيق اتفاق سلام بين روسيا واليابان. وودرو ولسون لعب دوراً كبيراً في تأسيس عصبة الأمم، أما جيمي كارتر فقد نُسب اليه الفضل في معاهدة كمب ديفيد، التي كانت محطة تاريخية في النزاع العربي - الاسرائيلي، بصرف النظر عن ذيولها. بهذا المعنى ستكون الجائزة التي مُنحت لأوباما عبئاً عليه، ومن واجبه أن يثبت بعد الآن انه يستحقها. من دون ذلك تكون جائزة نوبل للسلام لعام 2009 قد ذهبت سدى، ومعها ما يقارب المليون ونصف مليون دولار ستدخل جيب أوباما هي قيمة الجائزة.