أعطيت جائزة نوبل للسلام 2009 أمس الى الرئيس الأميركي باراك أوباما. هنا قراءة أولى في نهجه السياسي.الخطوط السياسية الأساسية التي أعلنها الرئيس باراك أوباما تصلح لتشكيل مذهبه رغم أن الحديث عن ذلك يبدو مبكراً نسبياً. وقبل الدخول فى تفاصيل هذه الخطوط لابد من ملاحظة أن ما أعلنه أوباما هو السياسة الجديدة للولايات المتحدة والتي تقف على النقيض من سياسة الرئيس جورج بوش. وهذه الملاحظة تثير نقطتين مهمتين الأولى هي أنه إذا كانت سياسات الدول العظمى توضع للمدى البعيد فإن أساليب تنفيذ هذه السياسات هي التي تتغير بتغير الكثير من المحددات، وأهم هذه المحددات، طبيعة شخصية صانع القرار، ومتغيرات الواقع الفعلي على الأرض. وعلى سبيل المثال فإن الهدف الأميركي الثابت في الشرق الأوسط هو حل المشكلة العربية - الإسرائيلية حلاً سلمياً يتفق عليه الأطراف ويحظى بالقبول العام بصرف النظر عن أن هذا الحل عادل أو مثالي من وجهة النظر الأخلاقية. وبطبيعة الحال لا بد أن يوافق هذا الحل مصلحة إسرائيل. في الحالة الراهنة تصر إسرائيل على الحصول على كل شيء وتمديد المشروع الصهيوني، ما سيؤدي قطعاً في مرحلة ما إلى الصدام العربي - الإسرائيلي، لأن العملية الجراحية أو استئناس العرب مهما بدت بعض مظاهره لا يمكن أن تعيد إنتاج المنطقة بالمنطق الصهيوني وهذه النتيجة هي من طبائع الأشياء وليست نظرية لمقاومة الغصب الصهيوني. في الحالة الراهنة فإن الموقف الثابت للولايات المتحدة لم يتغير ولكن أساليب الإدارة الأميركية في تنفيذه هي التي تتغير. ولا يجوز أن يتجاوز خيالنا في هذه النقطة خطاً معيناً فى علاقة أميركا بإسرائيل، ولكن هذا الخط يمكن أن يتغير إذا تعدلت أوضاع القوة العربية، فأرغمت إسرائيل على التوقف عند حدود معينة. ومادام الصراع العربي - الإسرائيلي صفرياً كما هو معلوم ووفق منطق المشروع الصهيوني، فإن من الواضح أن واشنطن لن تتخلى كالعادة عن إسرائيل إلا إذا كانت القوى العربية طاغية وميزان القوة العالمي مضطرباً، لأن الصراع في جوهره ليس عسكرياً بحتاً، ولكن القوة العسكرية تلعب فيه دوراً أساسياً، وحولها تتوزع عناصر القوة الأخرى. أما ملامح مذهب أوباما فهي خمسة: الأولى هى أن العالم لم يعد يحتمل قطباً واحداً قادراً على إدارة العالم من مركز واحد. وهذا يناقض تماماً النظرية الإمبراطورية للرئيس بوش التي تقول بأن العالم منذ عام 1945 لم يعد هو نفسه الآن وأن واشنطن هي مركز العالم وقطبه الأوحد ولا تقبل معها شريكاً، ولذلك جلبت واشنطن على نفسها الكثير من المتاعب والأزمات وتورطت فى الكثير من المواقع وتوترت العلاقات بينها وبين حلفائها وتدهورت مكانتها وتراجعت صورتها. وإذا كانت الأدبيات السياسية ترجع السبب فى ذلك إلى إتساع دائرة الحركة وعدم اللياقة في تناول القضايا الدولية. فإننا في المنطقة العربية نرى أن السبب الحقيقي هو أن إسرائيل هي التي توجه القرار الأميركي في المنطقة وفي العالم، ولذلك لانزال نرى أثر هذا التأثير حتى في عهد أوباما وآخر تجلياته هو تحريك الموقف الأميركي بشكل متدرج ضد إيران لمصلحة النظرية الإسرائيلية التي تلح على أن إيران هي قلب الخطر على العالم كله. أما النقطة الثانية في مذهب أوباما فهي أن القوة العسكرية يجب أن تستخدم في إطار رؤية سياسية، وهذا يعني التراجع عن مذهب بوش الشهير والمعروف بالضربة الوقائية أو الاستباقية وهذا المذهب أدى إلى عسكرة السياسة الخارجية. يترتب على ذلك أيضاً أولوية التسوية السلمية للمنازعات مع عدم استبعاد القوة العسكرية كملجأ أخير وهذا هو النمط الذي كان سائداً قبل بوش أي أن الدولة العظمى تنفذ أهدافها من خلال ترجمة مصادر القوة إلى نفوذ سياسي واستخدام هذه المصادر كأوراق للضغط. لاشك في أن مذهب بوش ترك لأوباما على خريطة العالم تركة ثقيلة ومن المشكوك فيه أن يتمكن من تصفيتها. النقطة الثالثة ترتبط بما سبقها وهي نزع السلاح على أساس أن السلاح يشجع على استخدام القوة ولكن أوباما أعطى في هذه المرحلة أولوية مطلقة للسلاح النووي ولعلها المرة الأولى في تاريخ الأممالمتحدة يرأس رئيس أميركي قمة لأعضاء مجلس الأمن لكي يصدر المجلس قراراً حول تخفيض الترسانات النووية للدول النووية ومنع الدول غير النووية من التسلح النووي، وهذه الخطوة هي امتداد لمبادرة أوباما في قمة براغ لحلف الأطلسي في نيسان (أبريل) 2009. النقطة الرابعة: هي إعادة خطوط السياسة الدولية إلى الأممالمتحدة. وهذا الموقف يناقض تماماً موقف الرئيس بوش الذي أظهرت إدارته عداءً واضحاً للمنظمة الدولية رغم استخدامها لإضفاء الشرعية على مغامراتها غير القانونية. خامساً احترام القانون الدولي، حيث لوحظ استخدام هذا المصطلح غير مرة بينما لم يستخدم مرة واحدة في عهد الرئيس بوش وكان عداء إدارته للقانون الدولي واستخفافه به من علامات هذه الإدارة. تلك خصائص خمس لمذهب أوباما أوردناها باختصار من دون أن نزعم أنها تشمل كل خصائص هذا المذهب الذي نظن أنه لا يزال في طور التشكل، وهو أمر لفت بلا شك انتباه الباحثين في العلاقات الدولية والدراسات الدولية عموماً. * كاتب مصري