طالب اقتصاديان باتخاذ خطوات تضمن عمل مؤسسة التقاعد السعودية بكفاءة مالية، وإيجاد حلول كفيلة بحمايتها من مخاطر العجز المالي بعد تدني عوائدها إلى نسب متدنية. وتعاني مؤسسة التقاعد السعودية من ضعف كبير في عوائد استثماراتها وأصولها، ما قد يتسبب - بحسب ما أشار مراقبون وما تمت مناقشته في مجلس الشورى - في سقوط المؤسسة العامة للتقاعد على وجه الخصوص في دائرة العجز المالي وعدم القدرة على الإيفاء بالتزامها تجاه المتقاعدين. ودعا الاقتصاديان في حديثهما ل«الحياة» إلى دمج استثمارات الصناديق التقاعدية في صندوق واحد بوصفه خطوة أولى نحو الاندماج الكلي وتعزيز قدرات هذه الصناديق التي «تحرم» نفسها من عوائد أكبر نتيجة لهذا التشتت، على رغم تطابق الهدف والمضمون بين المؤسسة العامة للتقاعد ومؤسسة التأمينات الاجتماعية. وقال الاقتصادي عضو مجلس الشورى السابق الدكتور زين العابدين بري، إن أعمال المؤسستين المالية يلفها الغموض، موضحاً أنهم عندما يطالبهم مجلس الشورى يحاولون عدم التجاوب بداعي عدم وجود نظام يلزم بتقديم أرقام إلى مجلس الشورى. وأضاف بري: «شخصياً سبق أن اعترضت على الأرقام المقدمة منهم إلى مجلس الشورى، وطالبت وقتها بتقديم قوائم واضحة وأرقام صحيحة لنتمكن من مناقشتهم، فمجلس الشورى في النهاية لا يتخذ قراراً وإنما هو مجلس يضم أصحاب كفاءات اقتصادية وإدارية، يستطيعون تقويم الأداء وتقديم مقترحات، ولكن هذه المؤسسات لا تريد». وأوضح أن المؤسسة العامة للتقاعد - بحسب أحاديث مسؤوليها إلى وقت قريب - لم يكن لديهم، من خلال استعراض منجزاتهم وما يملكون من أصول مثل الأراضي في مركز الملك عبدالله الماليبالرياض، أية بوادر لضعف مالي أو تصور بحدوث عجز على المدى المنظور خلال أعوام قليلة. وتابع: «لم يتحدثوا من الأساس بأن لديهم مشكلة مالية متوقعة بعد أعوام، هم اشتكوا كثيراً من التقاعد الباكر وأضراره على موازنة الصندوق، لكنهم لم يتحدثوا عن خطر العجز، وأعتقد أنها خطوة جيدة لو تحدثوا الآن بوضوح عن رؤيتهم المستقبلية». وذكر أن احتمال وقوع تلك المؤسسات في مشكلات مستقبلية أمر وارد الحدوث، إلا أنها بوصفهم هيئات مستقلة تملك صناديق استثمارية كبرى مبرمجة وتعمل وفق قواعد رياضية مطبقة بكل دول العالم، قادرة على أن تعمل بطرق مرنة، وخصوصاً أن الدولة ضامنة لها ولن تترك المتقاعدين بلا رواتب. وزاد بري: «طالما أنهم تحت ضمان الدولة فهم أيضاً تحت رقابتها، والخلل إذا حدث فإننا نحتاج معه إلى شفافية وتغيير النظام، وأن يتعاونوا مع الجهات الحكومية ذات العلاقة لإيجاد حلول عادلة وجيدة». وقدّر عوائد صناديق التقاعد في الوقت الراهن بأقل من خمسة في المئة، معتبراً أن هذه العوائد ضعيفة وتحتاج إلى الاستماع إلى الأصوات المطالبة بإنشاء صناديق سيادية استثمارية، وإنشاء هيئة خاصة لهذه الاستثمارات ليتم تشكيل صندوق استثماري شبيه بالصندوق النرويجي والقطري. وأشار إلى أن تلك الصناديق لها محاسن ومساوئ، إذ تعرضت لهزة قوية مع الأزمة المالية العالمية، وهذا من مساوئها، ولكن متى ما أديرت بحكمة وتعاملت مع استثمارات ذات عوائد جيدة وبدرجات مخاطر أقل، مع تنويع الاستثمارات، فإن ذلك يضمن ديمومة أعمال تلك المؤسسات. من جانبه، قال الاقتصادي الدكتور عبدالله الربيعان، إن انخفاض عوائد استثمارات صناديق التقاعد لما دون خمسة في المئة أمر سيوقعها في عقبات مالية صعبة، لأنها تحتاج إلى أكثر من 10 في المئة من العوائد كي تضمن استقراراً في موازناتها. واقترح الربيعان دمج نظامي مؤسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية وجمع رأس المال تحت كيان واحد، لضمان الاستفادة من فرص أضخم وأكبر وعوائدها أفضل، وتقنين المصاريف التي تدفعها كل جهة في الوقت الراهن على حدة. وأضاف: «هناك فرص وحلول كثيرة أمام صناديق التقاعد لتطوير أعمالها بعيداً عن الدعم الحكومي، مثل إنشاء مصرف للتقاعد، وهي فرصة ممتازة لتطوير الاستثمارات، وكذلك فصل إدارات الاستثمار عن المؤسسة، لتكون بعقلية تجارية ومرنة. وانتقد الربيعان غياب الشفافية لدى المؤسسة العامة للتقاعد، مضيفاً: «انتقد مجلس الشورى غير مرة أعمال هذه الصناديق وطريقة إدارتها، وسبق أن اقترح الشورى تقديم دعم أو قرض طويل الأجل ب100 بليون لمؤسسة التقاعد و50 بليوناً للتأمينات الاجتماعية، ولا أعتقد أن الدعم جيد في وقت لم يعالَج الخلل، وأن تدار المحافظ بطريقة احترافية». واستغرب التحفظ الشديد لمؤسسة التقاعد على العمليات وطرق إدارة المحافظ والاستثمارات وعوائدها، مبيناً أن تلك الصناديق في حاجة إلى نشر أعمالهم، أسوة بالشركات وترك المجال للمختصين لتقويم الأداء والإسهام بابتكار حلول فعالة. وأضاف الربيعان: «نتمنى أن تبادر تلك الصناديق إلى الاندماج ومعالجة الأخطاء، كي لا تضطر إلى أن تترك مرحلة الاستثمارات وتتحول إلى الطريقة الثانية التقليدية بأخذ عوائد من الموظفين وتقديمها إلى المتقاعدين».