خلال الأسبوع الفائت، شهد الوسط الإعلامي والثقافي في المغرب سجالاً حول رواية الكاتب محمد زفزاف «محاولة عيش»، على إثر مقال نشَرَتْه إحدى الجرائد المغربية، تدعو فيه إلى إيقاف اعتماد الرواية ضن المقرر الدراسي، وكانت وزارة التربية الوطنية المغربية قد اعتمدت فعلاً هذه الرواية قبل أعوام. وكان لهذه الدعوة أن تطرح أكثر من سؤال حول توقيت هذا الهجوم على رواية يُعتبر كاتبها واحداً من أعلام الأدب المغربي. وهاجمت الجريدة الرواية التي كتبها محمد زفزاف عام 1985، مبرّرة موقفها بكون بطل الرواية وهو شاب فقير يقطن في دور الصفيح، يقوم بأفعال لا أخلاقية ويتبنى قيماً منحطّة وبكون الرواية تدافع عن المنكر وعقوق الوالدين. أدباء كثيرون انبروا للدفاع عن الرواية وأكدوا ضرورة تدريسها. وتباينت ردود أفعالهم فمنهم من تناول القضية من زاوية تفترض ضرورة الاهتمام بالبُعد الجمالي والدعوة إلى نقد العمل من زاوية الفن والاهتمام به ضمن السياق الأدبي فقط، من دون محاكمته عبر معايير أخرى. ومنهم من حاول الدفاع عن الرواية وبطلها محاولين دحض ادعاءات المقال، مشيرين إلى كون البطل كان ضحية واقع هش ومرير، ما جعله يتبنى أحياناً قيماً ملتبسة. لكنه في المحصلة، يُقاوم هذه القيم ويتفلت منها. وكانت ارتفعت أصلاً حدة النقاش في الصحافة المغربية أخيراً حول بعض الأفلام المغربية الجريئة، ودعا أكثر من مرة تيار سياسي مغربي إلى إيقاف عرضها في القاعات باعتبارها، بحسب هذا التيار، تحرّض على الفجور، لكنه لم يهاجم من قبل رواية تتضمن مشاهد قد يعتبرها بعضهم لا أخلاقية، عدا رواية محمد شكري الشهيرة «الخبز الحافي». عُرف الكاتب محمد زفزاف باعتباره رائد الكتابة الواقعية المغربية، وتحفلُ نصوصه القصصية والروائية بمشاهد من صميم الواقع المغربي خلال ثلاثة عقود، وشكّلت كتاباته لفترة طويلة صوت المنبوذين والمهمشين من عمال ومشردين وفقراء. وتدور معظم نصوص زفزاف في فضاءات هامشية مثل دور الصفيح والأحياء الشعبية، وتركّز رواياته على نقد القيم السلبية والظلم والطغيان، وعلى الدعوة إلى الحرية والعدل والمساواة واحترام الإنسان، ولكن ضمن إطار خاص بالكاتب الذي تخطى دائماً التصنيف الكلاسيكي. وما يستطيع القارئ أن يجد مُسحة وجودية في نصوصه وتأملاً عميقاً في الحياة والموت والوجود. وقد تُرجمت نصوص له إلى لغات عدة وتمّ تدريسها في جامعات عالمية. وُلد الكاتب المغربي محمد زفزاف عام 1945 في قرية سوق الأربعاء الغرب. امتهن التدريس الثانوي في الدارالبيضاء، وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب عام 1968. وتوزّع نتاجه بين الكتابة الروائية والقصصية والشعرية والترجمة. أصدر زفزاف أعمالاً قصصية وروائية منها: «حوار في ليل متأخر» (قصص)، «المرأة والوردة» (رواية)، «أرصفة وجدران» (رواية)، «بيوت واطئة» (قصص)، «قبور في الماء» (رواية)، «الأقوى» (قصص)، «الأفعى والبحر» (رواية)، «الشجرة المقدسة» (قصص)، «غجر في الغابة» (قصص)، وأصدرت وزارة الثقافة المغربية أعماله الكاملة في الرباط عام 1999 في مجلدات. توفي زفزاف، رائد الكتابة الواقعية المغربية، عام 2001 بعد معاناة مريرة مع المرض العضال.