القيادة تعزي رئيس ألمانيا في وفاة الرئيس الأسبق هورست كولر    شولتس: الرسوم الجمركية تقسم العالم    أمانة عسير تستكمل صيانة وسفلتة طريق التعاون بأبها    بأداء مُميز.. حريري ينهي رالي حائل 2025 محققا المركز الثالث    سمو ولي العهد يستقبل رئيس الجمهورية العربية السورية    استعداداً لكأس آسيا .. الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح معسكر الصين    لجنة الانضباط تغرّم لاعب الهلال "الدوسري"    36 مزاداً لبيع 334 عقاراً في 12 منطقة    إشعار أصحاب المباني الآيلة للسقوط بفيصلية وربوة جدة    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة الشيخ دعيج إبراهيم الصباح    أبريل المقبل.. انعقاد النسخة الثانية من مؤتمر مبادرة القدرات البشرية HCI 2025    قوافل مساعدات سعودية جديدة تصل غزة    تعليم الطائف: تطبيق الاختبارات المركزية في المدارس الفصل الدراسي الثالث من العام الحالي    إحباط تهريب 27600 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في نجران    «الأمن البيئي»: ضبط 9 مواطنين لنقلهم حطباً محلياً بالقويعية    إعلاميون ل عكاظ: الهجن السعودية تخطف الأضواء عالمياً    العيدابي.. عاصمة الشهد التي تجذب مربي النحل في فصل الشتاء    «أحلام»: تأجيل الجزء الثاني من «العناق الأخير»    وزارة الشؤون الإسلامية تختتم معرض القرآن الكريم    13.9 مليارا دعم "كفالة" للمنشآت الصغيرة والمتوسطة    تحت رعاية خادم الحرمين.. جائزة الأميرة صيتة تكرّم الفائزين في 16 فبراير    «شاكيرا» تتقدم المؤدين بعرض حي.. توزيع جوائز «غرامي» اليوم    الفريدي وأبو الحسن يَتلقون التعَازي في إبراهيم    زيارة الشرع.. التأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وسوريا الجديدة    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء لجنة السلامة المرورية بالمنطقة    رئيس اتحاد التايكوندو: تطوير التحكيم أولوية لتعزيز مكانة اللعبة محليًا ودوليًا"    محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية    رحيل محمد بن فهد.. إنسان ورجل دولة باقٍ بذاكرة الزمن    أمير الشرقية يدشن النسخة الثامنة من جائزة السائق المثالي    البريطاني "بيدكوك" يتوّج بلقب طواف العلا 2025    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    أمير جازان رعى حفل انطلاق الفعاليات المصاحبة للمعرض الدولي للبن السعودي 2025م    زيلينسكي يفتح طريق التفاوض مع روسيا    تجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة ويحقق جائزة وزير الصحة في الرعاية الصحية الحديثة    سقوط قتلى.. جيش الاحتلال يواصل جرائمه بالضفة الغربية    مختص : متلازمة الرجل اللطيف عندما تصبح اللطافة عبئًا    "الأكاديمية السعودية اللوجستية" تفتح التسجيل للدفعة 12 لبرنامج الدبلوم التدريبي    أحمد الشرع يصل السعودية.. اليوم    7 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس"    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    موكب الشمس والصمود    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    تفسير الأحلام والمبشرات    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن تجاوز «الدرع الصاروخية» ومفارقات المقايضة المحتملة
نشر في الحياة يوم 08 - 10 - 2009

من غير المنطقي، أو الواقعي، اختزال أسباب التراجع الأميركي عن خطة نصب رادار قوي في الجمهورية التشيكية بحلول عام 2013 وعشر منصات لاعتراض صواريخ بالستية بعيدة المدى في بولندا، واستبدالها بنظام «ايجيس» الذي يقول الرئيس أوباما أنه «أقل كلفة» ويستخدم تكنولوجيا «أثبتت فعاليتها»، والذي يقضي، وفق بعض التقارير الغربية، بوجود ثلاث سفن حربية مسلحة بصواريخ اعتراضية، في أي وقت، داخل وخارج البحر المتوسط وبحر الشمال من أجل حماية «مناطق المصالح»، بإمكان وجود مقايضة بين واشنطن وموسكو تتم بموجبها مقابلة الموقف الأميركي الجديد بتراجع روسيا عن المضي في خطة نشر صواريخ متوسطة المدى في جيب كالينينغراد الواقع بين الحدود المشتركة مع كل من بولندا وليتوانيا، واتخاذها موقفاً أكثر حزماً حيال البرنامج النووي الإيراني، والعدول عن بيع طهران نظام دفاع مضاد للطيران «أس- 300» يمكن أن ينشر في محيط منشآت نووية إيرانية، فضلاً عن دعم قرار في مجلس الأمن الدولي ينص على فرض عقوبات ضد طهران.
ذلك أن ثمة أسباباً أخرى، «غير مؤامراتية»، تقف وراء هذا التطور النوعي الذي يرقى، برأي البعض، إلى المستوى «الاستراتيجي»، لعل أبرزها سعي إدارة أوباما إلى ترجمة شعاراتها المتعلقة بإحلال السياسة والديبلوماسية محل العنف والحروب، واستجرار مساعدة روسيا لواشنطن في أفغانستان التي تعيش مخاضاً دموياً عسيراً، ووضع حد لسباق التسلح الذي تندفع موسكو في خضمه إلى أميركا اللاتينية عبر فنزويلا.
على أن ما سبق، وعلى أهميته، لا يف.صح عن كافة جوانب الصورة التي تتصدرها مسألة المقايضة المحتملة التي تقول مايا بنغل، في «معاريف» الاسرائيلية، أنها تبلورت، في الآونة الأخيرة، نتيجة تراكم الجهد الذي بذله الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز مع كل من الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق جورج بوش منذ أكثر من عام، قبل أن تأخذ طريقها نحو التحقق على يد كل من الرئيسين ميدفيديف وأوباما، إذ ثمة معطيات أخرى ذات طبيعة علمية وتقنية ساهمت في صرف النظر عن مشروع الدرع الصاروخية، والاستعاضة عنه بنظام «ايجيس» الذي يمكنه التصدي لصواريخ بعيدة المدى، وأخرى صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وفق تعديل يهدف إلى مواجهة ما يسمى «الخطر الإيراني المباشر»، ويتوقع نشره على عدة مراحل. فبحسب تيودور بوستل المستشار السابق لقائد القوات البحرية الأميركية لشؤون الدفاع الجوي، فان مشروع منظومة الدرع الصاروخية الذي كانت تنوي الإدارة الأميركية نشره في أوروبا يمثل أكبر عملية اختلاس في القرن الحالي.
وفي حديث لمجلة «أغنيوك» الروسية، أكد بوستل أن خطط إقامة هذه المنظومة أثبتت فشلها منذ عام 1997 عندما أطلق، من قاعدة على شاطئ المحيط الهادي، 11 صاروخاً بمثابة أهداف وعشرة مناطيد مختلفة الأحجام والأشكال بمثابة أهداف تمويهية، لكن منظومة التعرف على الأهداف التي تطلق الصواريخ الاعتراضية لم تتمكن من التمييز بين المناطيد والرؤوس النووية البالستية، موضحاً أن الإخفاقات في المشروع تكررت في الأعوام 2000 و2001 و2003 و2007.
وما يجعل مبادرة الدرع الصاروخية سياسية، في المقام الأول، وليست عسكرية فقط، أنه، وباستثناء كوريا الشمالية التي تواصل الولايات المتحدة الضغط عليها والعمل على «قصقصة ريشها» عبر الوسائل الديبلوماسية، لا تملك أية دولة معادية لواشنطن، بما في ذلك إيران، قدرات تمكنها من ممارسة تهديد صاروخي مباشر على الأراضي الأميركية إلا إذا اعتبرت واشنطن أن روسيا معادية، وفق مفهوم الحرب الباردة التي توشك على التجدد بثوب جديد.
ومع ذلك، لا يمكن التقليل من وجاهة الحديث عن المقايضة المحتملة التي بدأت قطراتها بالتسرب من بين ثنايا تصريحات المسؤولين الغربيين الذين امتطوا صهوة اللقاء المرتقب بين إيران ومجموعة (5 + 1) بداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل الذي سيناقش حزمة المقترحات المقدمة من طهران، وإعلان الأخيرة عن صنع جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي القادرة على مضاعفة قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم «بأكثر من خمس مرات»، حيث تناوب على إصدار هذه التصريحات كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، ورئيس الحكومة البريطانية غوردون براون، مروراً بمنسق السياسة الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، وصولاً إلى أعضاء من الكونغرس الأميركي والمسؤولين الروس الذين لمح رئيسهم ديمتري ميدفيديف إلى أن بلاده قد لا تمانع حزمة جديدة من العقوبات على إيران إذا لم تتعاط ايجابياً مع المقترحات الغربية لتسوية الملف النووي، فيما بدا أنه اتجاه روسي جديد للضغط على طهران. كما لا يمكن تجاهل المؤشرات المختلفة التي تصب في هذا الاتجاه، بما في ذلك سعي الرئيس أوباما إلى تشجيع إنهاء المفاوضات الصعبة حول خفض الترسانتين النوويتين الأميركية والروسية بحلول نهاية العام الجاري، وإشارة الخبير في «معهد كاتو» تيد غالن كاربنتر، إلى الإذن الذي أعطته روسيا، في شهر تموز (يوليو) الماضي، لاستخدام مجالها الجوي لنقل الجنود والعتاد العسكري الأميركي إلى أفغانستان.
غير أن الأسئلة الشاخصة التي تفرض نفسها في خضم هذه المعطيات الرجراجة والتوقعات هي: هل يمكن اعتبار «الصفقة» أو «المقايضة» الأميركية - الروسية المفترضة بمثابة تدشين لنمط جديد في العلاقات بين واشنطن وموسكو؟ وهل ثمة ضمانة لالتزام الجانبين بمضمونها في ظل تصاعد الأزمات والتوترات الإقليمية والدولية التي تتباين حيالها رؤى الدولتين، وتالياً، هل يمكن أن تسحب نفسها على كافة القضايا الخلافية المتعددة بين الجانبين؟ ثم، ماذا عن مستقبل العلاقات الروسية - الإيرانية، والصفقات النووية والتسليحية والاقتصادية، التي صمدت أمام العواصف العاتية المختلفة خلال السنوات التسع الماضية، وهل ستضحي موسكو بهذه العلاقات التي تتجاوز ما سبق إلى مصالح مشتركة مع طهران ذات طبيعة استراتيجية لها علاقة بالأوضاع الإقليمية الرخوة في الجزء الآسيوي الأبرز من قوس الأزمات؟
بطبيعة الحال، لا إجابات واضحة وأكيدة على ما ذكر، ولكن ما ينبغي التذكير به هو أن التعاون العسكري بين روسيا وإيران بدأ في أواخر الثمانينات، أيام الاتحاد السوفياتي السابق، فيما بدت تتضح آثاره منذ أواخر عام 1992، عندما وفر لإيران احتياجاتها من المفاعلات النووية، بعد أن وقعت مع موسكو اتفاقيتين في العام نفسه: الأولى تختص بالتعاون في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، والثانية تتعلق ببناء محطة نووية في إيران لتوليد الطاقة الكهربائية. وعندما قامت موسكو في منتصف كانون الأول (ديسمبر) عام 2000 بإلغاء اتفاقية وقعتها روسيا مع الولايات المتحدة تقضي بمنع بيع موسكو لطهران أية أسلحة غير تقليدية، فتح الباب واسعاً أمام التعاون بين روسيا وطهران في مجالات تطوير الصواريخ البالستية والطاقة النووية.
وجاء تعزيز هذا التعاون بين الجانبين استجابة لدواع متباينة، حيث سعت روسيا، من جانبها، إلى دعم نفوذها في عدد من مواقعها القديمة إبان الاتحاد السوفييتي السابق، رداً على تضاؤل المساعدات الأميركية إليها خلال السنوات الماضية، وإصرار الولايات المتحدة على «تحجيمها» وتجريدها من وسائل القوة، ومن قدرتها على المناورة السياسية والاقتصادية والعسكرية في محيطها الذي حاولت واشنطن إلقاء القبض على دوله عبر الكثير من الاتفاقات والأحلاف، فضلاً عن المضي قدماً في تطوير برنامج الدرع الصاروخية الذي تراه روسيا انتهاكاً لمعاهدة حظر الصواريخ المضادة للصواريخ، فيما سعت إيران بالأساس، وعبر تعزيز العلاقات مع روسيا، إلى كسر حال العزلة الدولية التي تسعى الولايات المتحدة لفرضها عليها، لا سيما تلك المتعلقة بالجانب العسكري.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.