برعاية ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عقد أمس في جامعة الملك سعود بالرياض المؤتمر الدولي السادس للموارد المائية والبيئة الجافة، وذلك بحضور رئيس مجلس جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، ومدير جامعة الملك سعود الدكتور بدران العمر، والأمين العام للجائزة الدكتور عبدالملك آل الشيخ، ونخبة من العلماء والباحثين في مجال المياه. وكان الأمير خالد بن سلطان أكد في كلمة له أمس على ضرورة مواجهة المواقع بصدق وصراحة، في إشارة إلى ما تمر به المنطقة العربية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إذ أكد أن المنطقة أصبحت مرتعاً للإرهاب الذي يهدف إلى هدم الدولة ومؤسساتها، وهو (الإرهاب) أصبح يسيطر على آبار نفط وخطوط إمداد وسدود مائية، كما لم ينج المجال الاجتماعي من براثنه. وأكد الأمير خالد في كلمته أمس أن لا أمن غذائياً من دون أمن مائي، ولا أمن مائياً من دون أمن اقتصادي، ولا أمن اقتصادياً من دون أمن سياسي واستقرار مجتمعي، مشيراً إلى أن أمن الطاقة والبيئة متعلق بأذيال الأمن السياسي. وشدد على أن علينا ألا نستسلم إلى واقع الحال من إرهاب سياسي واقتصادي ومجتمعي، وعلينا ألا نقف موقف المتفرج. ويهدف المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام إلى توفير إطار علمي لجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه وتبادل المعرفة، واقتسام المعلومات في مجال أبحاث المياه والحقول المتعلقة بالصحراء، واستكشاف التقنيات الجديدة في دراسة البيئات الجافة وشبه الجافة ومواردها الطبيعية، إضافة إلى توفير فرصة لصناع القرار والخبراء والعلماء لتقاسم الخبرات من أجل حلول شاملة ومتكاملة للمشكلات المائية. وينظم هذا المؤتمر العلمي الدولي نصف سنوياً، وتشارك فيه جائزة الأمير سلطان العالمية للمياه، وجامعة الملك سعود، ووزارة المياه في المملكة العربية السعودية، أو يشارك فيه عدد من أبرز علماء العالم المتخصصين في أبحاث المياه والمهمومين بإيجاد حلول يشمل نفعها البشرية جمعاء، ويعقد بمشاركة من معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء في جامعة الملك سعود بالرياض. وتشمل محاور المؤتمر الموارد المائية، إذ تقدم أوراق بحثية عن الطرق المبتكرة لنماذج الاستفادة من الأمطار والمياه، والتقويم والتحكم في التلوث الإشعاعي في المياه الجوفية، والوسائل المبتكرة لإنتاج المياه من الموارد المائية غير التقليدية، وحصاد المياه وزيادة المياه الجوفية. وفي مجال الحفاظ على المياه تقدم أوراق بحثية عن الحفاظ على المياه في القطاعات الزراعية والصناعية والبلدية، والتكنولوجيا الجديدة وسبل الحفاظ على المياه. وفي محور البيئات الجافة تقدم خمس أوراق عملية تتناول تلوث البيئات الصحراوية، والتغير المناخي وتأثيره في البيئة الصحراوية، والغطاء النباتي في البيئات الجافة والحفاظ على التنوع البيولوجي في البيئات الجافة، والتصحر وكيفية مكافحته. وعلى صعيد استخدام التكنولوجيا الجديدة في درس البيئات الجافة ومواردها الطبيعية، تقدم أوراق عن أنظمة وأساليب الاستشعار من بعد، والتكنولوجيا البيولوجية، وأنظمة المعلومات الجغرافية، والنظم الحديثة للقياس، واستخدام الطاقة المستدامة في تطوير الموارد المائية. نص كلمة الأمير خالد بن سلطان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ وأشرفِ المرسَلينَ أصحاب السموّ الأمراء أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة أيها الحفلُ الكريمُ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسعدنا أن نلتقي، مجدَّداً، في هذا الصرح العلمي الشامخ، جامعة الملك سعود، وهي تحتضن «المؤتمر الدوليَّ السادس للموارد المائية والبيئة الجافة». نرحب بالنخبة المميزة من العلماء، أبحاثاً يُقَدِّمون، ومناقشاتٍ يُثْرون، وخبراتٍ يتبادلون. فأهلاً بهم جميعاً في عاصمتنا، الرياض، متمنين لهم إقامة طيبة، وفائدة علمية، وعودة سالمة. راجعت خطابي في افتتاح المؤتمر الخامس، الذي عُقد في يناير العام الماضي، حتى لا أكرر ما سبق أن تناولته فيه من قضايا وأفكار، وما طرحته من رؤى وحلول، أو ما تحقق من أهداف وتوصيات؛ فضلاً عن عدم اجترار ما تمر به منطقتنا العربية من الأخطار: السياسية والاقتصادية، التي تهدد منطقة الشرق الأوسط، الجديد منه أو القديم. فتَبَيَّن لي أن المواقف ما زالت تُراوح مكانها، ففي المجال السياسي: الإرهاب لا يزال يرتع في كلِّ مكان، ولا توجد دولة واحدة في منجًى منه؛ فضلاً عن تلونه في أساليبه ووسائله وأشكاله وصفاته، وإن كان هدفه الأساسي ظلّ ثابتاً لم يتغير، وهو: هدم الدولة ومؤسساتها، أو تقسيمها وتشتيت شعبها، أو فرض أفكاره ومعتقداته. والمجال الاقتصادي، ليس أفضل حالاً، إذ اقتحمه الإرهاب الأسود، وأصبح جزءٌ منه مسيطراً على آبار نفط وخطوط إمداد وسدود مائية. ولم ينج المجال الاجتماعي من براثنه: دولٌ بلا رئاسة أو قيادة، وأخرى انقسمت إلى دويلات وميليشيات، ودول على شفا حرب أهلية. فُقد الأمن الاجتماعي، وعاد الزمن إلى عصور سحيقة مظلمة، فالنساء تُغتصب وتُسْبى باسم الشريعة، والفتيات والفتيان يباعون جواري وعبيداً، والأطفال يختطفون إلى معسكرات يُربَّون على غلظة القلب وقسوته، والقتل على الهوية أو المعتقد جائز، بل واجب شرعي، والكلّ يتمسح بالإسلام العظيم، وشريعته السمحاء، وهو منهم براء، فهم يعرفون اسمه، ولا يدركون حقيقته. أعلم أنها بداية مؤلمة، ولكن علينا مواجهة الواقع في صدق وصراحة، عند تحديد الاستراتيجيات ورسم السياسات ووضع الخطط. فلا أمنَ غذائيّاً من دون أمنٍ مائيٍّ، ولا أمنَ مائيّاً من دون أمنٍ اقتصاديٍّ، ولا أمنَ اقتصاديّاً من دون أمنٍ سياسيٍّ واستقرار مجتمعي. أمّا عن أمن الطاقة وأمن البيئة، فإنهما يتعلقان بأذيال ذلك الأمن السياسي؛ وما يجري في الموصل وحلب وبنغازي وصنعاء والحُديدة ليس ببعيد. ولتسمحوا لي بطرح رؤًى وتبادل أفكارٍ: أولاً: علينا ألّا نستسلم إلى واقع الحال من إرهاب: سياسي واقتصادي ومجتمعي، ولا نقف موقف المتفرج؛ فالأمل، في نصر الله، لا يزال موجوداً، والثقة بأبناء الشعوب العربية قائمة غير مهزوزة. وعلينا البدء في الآتي: اتِّباع الأسلوب العلمي الصحيح، في التفكير والتخطيط والتنفيذ في ظلِّ استراتيجية نحددها، ورؤية نبتكرها، وسياسات عادلة نلتزمها. تحديد التحديات المائية الحقيقية القائمة تحديداً دقيقاً، في ظلِّ ما هو كائن، وليس في ظلِّ ما ينبغي أن يكون. الوقوف على أسباب المشاكل المائية، تفصيلاً سواء: الطبيعية منها، أو الناجمة عن سلوك البشر. الاستخدام الكامل الواعي للتقنية الحديثة، والإبداع، والبحث العلمي، عند اقتراح البدائل والحلول غير التقليدية والتوصيات البنَّاءة، بواقعية وشفافية مع وجوب احتواء تلك الحلول على خطط تنفيذها وآلياتها وأدوار كلِّ دولة فيها، والإجراءات، التي ستتخذ ضد الأطراف غير الملتزمة. الاستعانة بالخبراء والمتخصصين الثُّقات، في كلِّ مجالٍ. ثانياً: كان بودِّي أن تبدأ فعاليات المؤتمر باستعراض توصيات المؤتمر السابق، وتبيان ما أُنجز منها، وما لم يُنجز وأسبابه، مع الإشارة صراحة إلى من ساعد ومن أعاق، من أنجز ومن تقاعس، ومن يرى جدّية هذه المؤتمرات، ومن يَعُدّها عديمة الجدوى وإضاعة للوقت. ثالثاً: سؤال يتبادر إلى الأذهان، كلّما حاصرتنا الأزمات والكوارث؛ وهو: لماذا لا نبالي في بداية كلِّ حدثٍ، ونتكاسل عن اتخاذ الإجراءات الواجبة حتى تتفاقم الكارثة؟ لماذا لا نخطط للمستقبل، كما يفعل غيرنا، بناءً وتطويراً وتوقعاً؟ فعلى سبيل المثال، نحن نعلم، منذ سنوات خلت، أن العالم مُقبلٌ على أزمات خانقة في إنتاج الطاقة، وعلى الرغم من ذلك، لم نهتم بالطاقة الشمسية وأهملناها، مع أن جميع علمائها وخبرائها يؤكدون أنها أحد الحلول الناجعة في تجنب كارثة نقص الطاقة؛ فضلاً عن تقليلها التلوث والأخطار الصحية، بنسبة لا تقلّ عن تسعين في المائة. وأنَّها ليست وحدها، التي تستحق الاهتمام، فقد سبقتنا دول كثيرة، ومنها الصين، في توليد الكهرباء من الرياح، وأصبحت أكبر دولة منتجة لها. ونتساءل: أين الرؤية المستقبلية والتخطيط الاستراتيجي؟ أليست الطاقة هي مفتاح المشاريع المائية كافة؟! رابعاً: نحن نعلم أن الوقود الحيوي في العالم، الذي توسعت الدول في استخدامه، سيكون له آثار ضارة مدمرة، في المديَيْن المتوسط والبعيد. فقد ظهر في البداية، لتوفير الناتج المحلي من المواد البترولية، ثم أصبح مجالاً لاستغلال الدول الفقيرة من أجل تحقيق فائض في الدول الغنية. وقد حَذَّرت دراسة أسكتلندية عنوانها: «الوقود الحيوي والأمن الغذائي وأفريقيا»، من أن المزارعين الأفارقة يواجهون بسببه أخطاراً حقيقية؛ فضلاً عن أن إزالة الغابات تؤدي إلى التصحر وتلوث الموارد المائية والصراع على المساحات المتبقية من الأراضي الزراعية. أَلا يستحق مثل هذا الموضوع أن يُعطَى الأهمية الضرورية، بل القصوى، لما له من تأثير، بلا شك، في الدول العربية؟ خامساً: أقترح أن يدرس الوزراء المعنيون «تقرير التنمية المائية ألفَيْن وأربعة عشر»، الصادر من الأممالمتحدة؛ لأهميته في التحليل الدقيق للعلاقة بين المياه والطاقة في الدول كافة؛ فضلاً عن الإحصائيات المخيفة، التي وردت، وهي تتناول هذه العلاقة، وتستقرئُ المتوقع حدوثه، كما تعرض البدائل البناءة، إذا لم تُتَّخذ الإجراءات الحازمة المستقبلية، خاصة التمويلية والاستثمارية. إن حلَّ أزمات المياهِ لا يُمْكِنُ أَنْ ينْجَحَ، بمعزلٍ عن حلِّ مشكلات الغذاء والطاقة والبيئة؛ وضرورة التعاونَ الوثيقَ بَيْنَ القائمينَ عَلَى شؤونها، تحقيقاً للتنميةِ الشاملة المستدامةِ. سادساً: منذ أكثر من أربع سنوات، أصدر المؤتمر السنوي الثالث للمنتدى العربي للبيئة والتنمية، في تقريره عدة حقائق وتوصيات حول الإدارة المستدامة للموارد المائية في العالم العربي، منها: حالة المياه في البلدان العربية حرجة، وتتطلب عملاً فورياً. الإمدادات المائية المأمونة ما زالت غير متوافرة للملايين، ومن المتوقع أن يواصل معدل توافر المياه انخفاضه تحت خط الندرة المائية الحادة. ثمة مجموعة من الأخطاء السياسية والإدارية تكمن في صلب النكبة المائية. دعوته إلى ضرورة اعتماد إصلاحات: سياسية ومؤسساتية وقانونية، تتيح تحولاً من ثقافة «تأمين المزيد من الإمدادات المائية من خلال مشروعات باهظة التكلفة، إلى ثقافة تدير الطلب عبر تحسين الكفاءة، وتخفيض الهدر، وحماية المياه من الاستخدام المفرط والتلوث، وإعادة توجيه دور الحكومات من دور مزوّد للمياه إلى مُنظم ومُخطِّط فعّال لها؛ وإتاحة الفرص للقطاع الخاص، من خلال مزيج من الحوافز الاقتصادية». وأخيراً، إن الكارثة المائية تقرع أبواب الدول العربية. وقد حانت ساعة العمل لوقفها. سأكتفي بهذه التوصيات وأتساءل، هل استجد جديد بعد صدورها؟ ولماذا لم تتحسن أحوالنا المائية، بعد مضي أربع سنوات من نشر تلك الحقائق والتوصيات؟ وماذا فعلنا والكارثة تقرع الأبواب، وتدق الأجراس منذ زمن بعيد؟ إن أبعاد الكارثة المائية معلومة لدى المختصين، وأسبابها كثيرة يصعُب حصرها؛ ولكني أُجْمِلُهَا جميعها في ثلاثة عوامل رئيسية، تُعَدّ من أسباب المشكلة، وفي الوقت نفسه هي السُّبُل إلى حلِّها: الإدارة والإرادة، والقوة، التي تفرضهما وتحميهما. وختاماً: أرفع آيات الشكر والتقدير إلى مقام سيدي خادم الحرمَيْن الشريفَيْن، وسيدي صاحب السموّ الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، وسيدي صاحب السموّ الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد، وللقيادةِ الرشيدةِ للمملكة؛ لاستضافَتِهم مؤتمركم الدولي، وحرصهم على مواجهة التحديات المائية. والشكر موصولٌ لجامعة الملك سعود ولهيئة الجائزة، أمينها العام، وأعضاء الهيئة الاستشارية، ومنسوبي الأمانة العامة، لجهودهم في الإعداد لهذا المؤتمر على أكمل وجه، ونأمل أن يخرج بتوصيات واضحة ومحددة، متميزة وهادفة، قابلة للتطبيق وتسهم في تحقيق قدر من منظومة الأمن الإنساني. والسلام عليكم ورحمة الله.