عند استخدام الكيماويات الزراعية بمعدلات أعلى مما هو مطلوب، تصبح ملوثات للغذاء والعلف والبيئة. ولكن عند استعمالها في الشكل المناسب، فإنها تحسن نوعية الانتاج وكميته. وفي البلدان العربية، كما في كل المناطق الأخرى من العالم، بات سوء استعمال المبيدات والأسمدة أمراً شائعاً. يواجه العالم العربي عوائق كثيرة، مثل محدودية الأراضي الزراعية (نحو 0,22 هكتار للفرد)، ونواقص حادة في المياه (هناك 16 بلداً تحت مستوى العجز المائي البالغ 500 متر مكعب للفرد من الموارد المائية المتجددة السنوية)، وضعف خصوبة التربة، وانخفاض الاستثمارات في تقنيات الري المقتصدة بالمياه، وتسعير غير ملائم للسلع الزراعية، وضعف نظم التسويق. وعموماً، ينسب نحو 55 في المئة من الزيادة في الانتاج الزراعي الى استعمال الأسمدة. والفجوة الغذائية القائمة في كل البلدان العربية - ربما باستثناء سورية - توجب توسعاً عمودياً في الانتاج الزراعي المتزايد. ارتفع استهلاك الأسمدة الكيماوية (NPK) في منطقة الشرق الأوسط من 1,5 مليون طن عام 1970 الى أكثر من 6 ملايين طن عام 2002. وهي في معظمها نيتروجينية، وتستعمل الأسمدة الفوسفاتية بمعدل أقل، أما الأسمدة البوتاسية فتستعمل بكميات قليلة جداً. وبلغ معدل استخدام الأسمدة في المنطقة عام 2002 نحو 108 كيلوغرامات للهكتار، وهو أدنى من المعدل العالمي الذي بلغ 218 كيلوغراماً للهكتار. وتظهر بيانات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) أن دولة الامارات العربية المتحدة ومصر تستعملان أعلى المعدلات (أكثر من 900 كيلوغرام من الأسمدة للهكتار)، تليهما عُمان (644 كيلوغراماً للهكتار) ولبنان (414 كيلوغراماً للهكتار). لكن بلداناً أخرى مثل السودان واليمن وموريتانيا تستعمل معدلات منخفضة جداً من الأسمدة (8 -20 كيلوغراماً للهكتار). وهناك نقص كبير في المعلومات المتوافرة عن استهلاك المبيدات في المنطقة العربية، سواء مبيدات الأعشاب أو الحشرات أو الفطريات، علماً أن أقل من نصف الدول الأعضاء في «الإسكوا» قدمت بيانات عن كميات المبيدات الزراعية المستخدمة عام 2000، ولم تقدّم إلا دولتان هذه البيانات للعام 2001. ويجب على المزارعين استعمال هذه الكيماويات عند الحاجة فقط وباعتدال، تجنباً لإرسال منتجات منخفضة الجودة الى السوق، خصوصاً الفواكه والخضر التي تستهلك طازجة. سلامة الغذاء من الأسمدة والمبيدات ان سلامة الغذاء قضية أساسية للصحة العامة في العالم العربي. وقد أجرت غالبية بلدان المنطقة تعديلات موسعة لمواصفاتها وأنظمتها المتعلقة بسلامة الغذاء وحدَّثت تشريعاتها الوطنية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. لكن هذه التشريعات في كثير من بلدان الشرق الأوسط ليست مرنة ولا قادرة على مواكبة التغييرات الدولية والاحتياجات الوطنية. من مرحلة زراعة المحصول حتى مرحلة استهلاكه، هناك فرص كثيرة للتلوث بكائنات دقيقة ضارة ومبيدات ومواد سامة أخرى. في المزرعة، قد تنتشر هذه الملوثات بواسطة التربة والروث والماء والمعدّات والعمال. وقد يُحصد المحصول في المزرعة، ويصنَّع في أحد المعامل، ويعاد توضيبه في معمل آخر، ومن ثم يُخزن أو يُعرض أو يُسوّق تجارياً أو يُستخدم في المنزل. وفي كل خطوة من هذه الخطوات يمكن أن يتعرض الغذاء إلى التلوث. عام 1963، أنشأت منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية لجنة «كودكس أليمنتاريوس» لوضع مقاييس وخطوط توجيهية وتوصيات دولية للغذاء، من أجل حماية صحة المستهلكين وضمان الممارسات الصحيحة في تجارة الغذاء. هذه المجموعة من المقاييس الغذائية، وعنوانها Codex Alimentarius أي المدونة القانونية الغذائية، أصبحت المرجع العالمي للمستهلكين ومنتجي الغذاء ومصنعيه والسلطات الغذائية الوطنية والمشاركين في التجارة الغذائية العالمية. إن معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط هي أعضاء في لجنة كودكس أليمنتاريوس. لكن مساهمتها في عمل اللجنة محدود وغير فعال كما ينبغي لحماية مصالحها. وعلى رغم أن نظم الممارسات الادارية الفضلى ونظم ضمان الجودة تم ادخالها في كل أنحاء المنطقة، فهي لم تُدمج بالكامل في نظم التفتيش المحلية التي ما زالت تركز أساساً على مراقبة المنتج النهائي. وفي عدد من البلدان، تقوم صناعات متعددة بالتطبيق الطوعي لتوصيات نقطة تحليل المخاطر والمراقبة الحرجة، من أجل تحسين السلامة الغذائية محلياً وزيادة إمكانية التصدير الى الأسواق الخارجية. ولعل حماية المحاصيل من الأمراض والإصابات هي العامل الأكثر تحديداً للإنتاج. فتعدد الآفات التي قد تفتك بالمحاصيل خلال مراحل نموها المختلفة من البذرة الى الثمرة توجب استخدام وسائل متنوعة لمكافحة الآفات. وقد اعتمد المزارعون في شكل رئيس على استعمال المبيدات لمكافحة الآفات الزراعية. وشكَّل تطوير الكثير من المبيدات العضوية الاصطناعية في أواسط الاربعينات نقطة تحول في المكافحة. وقبل هذه المرحلة كانت الكميات المتوافرة من هذه المبيدات محدودة ومرتفعة الكلفة. ولكن بعدها تم انتاج المبيدات الاصطناعية بكميات كبيرة وتوفيرها بسهولة وبكلفة معقولة للمزارعين. وفي البداية، لم تتم دراسة المخاطر الصحية للمبيدات في شكل كافٍ قبل استعمالها المكثف. كما أن آفات المحاصيل، وخصوصاً الحشرات، بدأت تظهر مقاومة لهذه الكيماويات، مما دفع المزارعين الى استعمال كميات أكبر سعياً الى رفع كفاءة عمليات المكافحة. وحدثت نقطة تحول ثانية عام 1962 مع صدور كتاب «الربيع الصامت» Silent Spring لمؤلّفته راشيل كارسون. وقد نبّه هذا الكتاب المجتمع العلمي والرأي العام إلى المخاطر الصحية للمبيدات عند استعمالها بلا تمييز، وتبنته جماعات بيئية متعددة، بدأت حملة توعية جماهيرية حول مخاطر المبيدات. ونتيجة لذلك، تعيَّن على المجتمع العلمي أن يقوّم الوضع، وقام بدراسات متنوعة حول أضرار المبيدات الشائعة الاستعمال، وأدرك مخاطرها على صحة الانسان والحيوان وعلى البيئة. وأسفر ذلك عن حظر استعمال مبيدات عدة في كثير من البلدان، بدءاً بالمبيد «د د ت» عام 1973. وفي النهاية تم حظر استعمال كل المبيدات الهيدروكربونية المكلورة المديدة الأثر عام 2004 بموجب اتفاقية استوكهولم في شأن الملوثات العضوية المديدة الأثر. تم وضع مقاييس لمتبقيات المبيدات، خصوصاً حدها الأقصى الذي يحدد الكميات المسموح بتوجودها في أغذية معينة. ويتقرر الحد الأقصى للمتبقيات بناء على عدد من العوامل، منها: كمية الطعام التي تستهلك في وجبة عادية، ومدى سمية المبيد، ومدى سهولة امتصاص الغذاء للمبيد والاحتفاظ به. ولا تقتصر مشكلة المبيدات في البلدان العربية على الاستعمال غير المنظم، وإنما هي أيضاً مشكلة سوء تداول المبيدات وسوء استخدامها على كل المستويات. الزراعة العضوية أدى انتشار مفهوم ما يدعى زراعة «طبيعية» أو «عضوية» وازدياد الوعي البيئي في العالم العربي الى شيوع أفكار غير صحيحة حول تأثير الأسمدة الكيماوية في نوعية وسلامة المنتجات الزراعية والبيئة. وفي حالات كثيرة، أدت هذه المعلومات الخاطئة الى سوء فهم عامة الناس لفوائد استعمال هذه الأسمدة ودورها في تحسين الإنتاج كمّاً ونوعاً. ومن أهم هذه المفاهيم الخاطئة: - إن الأسمدة غير العضوية تلوث الانتاج الزراعي وتؤثر سلباً في صحة الانسان والحيوان. ومثال على ذلك ارتفاع تركيز النتيرات في الخضر. - إن استعمال الأسمدة غير العضوية يخفض جودة المنتج الزراعي. - إن استعمال الأسمدة غير العضوية المصنعة يؤدي الى قساوة التربة وتراجع خصوبتها. - إن استعمال الأسمدة غير العضوية المصنعة يمكن أن يؤثر سلباً في البيئة، اذ يتسبب في انبعاث غازات الدفيئة وتلوث المياه وارتفاع نسبة المغذيات في البحيرات والأنهار والبحار. هذه الأضرار قد تحصل عند إضافة كميات زائدة من الأسمدة الكيماوية. ولتجنب التأثيرات السلبية المزعومة، أوصى البعض باتباع «زراعة عضوية فقط» أو استراتيجية «غذاء أخضر»، يُفترض ان تعطي منتجات زراعية تحوي قليلاً من التلوث وتؤمّن سلامة أكبر. والحقيقة أن هذه المنطقة ينبغي أن تستعمل كل ما يتوافر من مواد عضوية، كالروث ومخلفات المحاصيل، ولكن يجب أيضاً أن تكملها بكميات متوازنة من الأسمدة غير العضوية للحصول على إنتاج مرتفع وعالي الجودة، وفي الوقت نفسه تأمين الحماية للبيئة. وقد أثبتت نتائج أبحاث علمية كثيرة أن الأسمدة المصنعة لا تضر بصحة الانسان والحيوان إذا أضيفت بكميات معتدلة ومتوازنة. وفي حالات كثيرة، قد تكون أكثر فائدة من المصادر العضوية. والتأثيرات السلبية التي يمكن أن تنتج من استخدام الأسمدة غير العضوية هي في معظم الحالات ناجمة عن الاستخدام غير الصحيح. وهذه النتيجة عينها تتكرر في حال إساءة استعمال الروث العضوي. لذلك، ولضمان تنمية مستدامة للإنتاج الزراعي واستيفاء شروط المنتجات الزراعية المأمونة في الشرق الأوسط، هناك حاجة ماسة الى مزيد من المناقشة لفهم هذه المسألة. تحديات تواجه البلدان العربية على رغم الجهود المبذولة لتحديث قوانين سلامة الغذاء، هناك محدودية في المعلومات المتوافرة لتقويم سلامة الغذاء تقويماً سليماً في العالم العربي. وقد حصل أخيراً تحسين في أنظمة استخدام المبيدات في البلدان العربية، لكنها ما زالت دون الحد المرضي. ووضعت أنظمة لتسجيل المبيدات واستيرادها، وتم حظر استعمال عدد كبير منها. لكن بيع المبيدات وتداولها غير منظَّمين، ولا توجد رقابة على طريقة استخدامها ومعدلات إضافتها. وفي الكثير من البلدان العربية، لا تتوافر مختبرات موثوقة لتحليل متبقيات المبيدات. وقد دفع الاستعمال المكثف للمبيدات الاتحاد الأوروبي الى حظر بعض الصادرات من بعض البلدان العربية. وكثيراً ما يُمنع دخول شحنات من الخضر والفواكه الطازجة الى بلدان مستوردة لأن متبقيات المبيدات والكيماويات الأخرى تفوق الحدود القصوى. ولا بدّ من أن تنشئ البلدان العربية مختبرات خاصة من هذا النوع. وعلى الحكومات العربية أن تطور برامج إرشادية وتدريبية لتعليم المزارعين الطرق الصحيحة لاستعمال الكيماويات الزراعية وتداولها، وإقرار قوانين حديثة تتعلق باستخدام الأسمدة والمبيدات، وادخال اصلاحات مؤسساتية وإدارية. (ينشر بالتزامن مع مجلة «البيئة والتنمية»، عدد تشرين الأول / أكتوبر 2009)