إيغالاً في الإجرام والوحشية، نشرت الداعشية ريما الجريش، صورة ملتقطة لطفل، يرجح أنه أحد أبنائها، يحمل بيده سكيناً، وشعار التنظيم الأسود بالأخرى. فيما تعد جريمة جديدة تشارك فيها الجريش، التي هربت مع أطفالها من المملكة إلى اليمن، ومنها إلى مناطق يسيطر عليها «داعش» في العراق وسورية. ويوظف التنظيم ريما في محاولة لجذب الانتباه، وكسب التعاطف الشعبي معه بشتى الوسائل، حتى لو كان ذلك عبر استغلال «براءة الطفولة» في محاولة للعبور إلي قلوب الناس، التي سئمت نهج التنظيم القائم علي الصور الدموية وقطع الرؤوس، وإخضاع الناس بالقوة. إلا أن كاميرات «داعش» تسللت إلى براءة الأطفال لتشركهم في المشاهد الدموية المصورة، التي يتلذذ عناصر تنظيم داعش من «نساء ورجال» في التقاطها، وبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فبعد أن دفعت الجريش ابنها المراهق معاذ الهاملي (16 عاماً)، إلى منزلق صفوف التنظيم قبل نحو عام، جاءت هذه المرة لتنشر صورة طفل ملثم على معرفها الشخصي في «تويتر» يحمل سكيناً، ويرفع لواء التنظيم الأسود، في مشهد منافٍ للإنسانية، يُنشِّئ الأطفال على حب الجريمة والتعطش للدماء. ويرجح أن الطفل في الصورة هو الابن الأصغر للجريش عمار الهاملي، الذي لم يتجاوز السادسة. وكانت الجريش أعلنت أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وصولها برفقة أبنائها الأربعة (مارية 14 عاماً، وعبدالعزيز 13 عاماً، وسارة 8 أعوام، وعمار 6 أعوام) إلى سورية، وانضمامهم ل «داعش»، وذلك بعد انضمام ابنها الأكبر معاذ الهاملي قبل عام إلى صفوف التنظيم. وبدلاً من أن تُلحق الجريش أطفالها بالمدارس للتعلم، اتخذت من أطفالها وسيلة لترويج قضية زوجها، والمطالبة بالإفراج عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بإنشاء معرفات تحمل أسماءهم الخاصة، ما دفع عدداً من المتطرفين في مناطق الصراع خارج السعودية إلى تأييدها ودعمها. ودفعت الجريش أطفالها الأربعة إلى المشاركة في الاعتصامات للمطالبة بالإفراج عن والدهم محمد الهاملي، الذي تم توقيفه في 2004، بعد تورطه بالانضمام إلى «خلايا الفئة الضالة». ويمثل حالياً أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، بعد أن عُثر على أسلحة وذخائر، دفنها في حديقة منزل. واعتبر الباحث في علم الجريمة الدكتور يوسف الرميح، إشراك الأطفال في الاعتصامات بمثابة «اعتداء صريح على الطفولة»، مشيراً إلى أن إقحام الأطفال في هذه الأحداث «يغرس فيهم العداء إزاء كل ما يمثل الأمن، وهو ما يجعلهم في المستقبل مهيئين ليكونوا مجرمين». وأكد أن «التربية الأسرية غير السوية هي العامل الأول في وجود الإرهابيين والمجرمين». وتوقع مراقبون، تحدثوا إلى «الحياة»، وجود الجريش في محافظة الرقة (شمال وسط سورية)، التي تضم معسكرات «أشبال الخلافة»، وهي معسكرات تابعة ل «داعش»، وتُدار من طريق قادته، لتدريب الأطفال على القتال واستعمال الأسلحة. وقال الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية حمود الزيادي ل «الحياة»: «يتضح في ما تبثه ريما الجريش الازدواجية والتناقض الذي تعيشه. فهي تتحدث عن الوجد والشوق ثم تتحدث عن القتل والذبح، وتضع صور عناصر «داعش»، وهم ينحرون ضحاياهم، ممجدة الفعل الوحشي في تناقض مع طبيعتها الأنثوية، ما يؤكد أنها ومثيلاتها من المتطرفات وصلن حالاً من الانحراف الفكري الخطر، ويجب على المجتمع اليقظة لهذه التجمعات النسوية ومحاولة معالجة الحالة التطرفية قبل توسع دائرتها». وأضاف الزيادي: «هي تنضوي على مفارقة، أو كما يسمى في اللغة الإنكليزية (Paradox)، كما هي حال التطرف في العموم. قبل عامين وثلاثة أشهر خرجت ريما في اتصال هاتفي من بريدة على قناة «الحرة» الأميركية، قناة العدو اللدود لتنظيمي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيين التي تؤيدهما ريما، مدعية تعرضها لمظالم من الأمن السعودي. بينما كانت هي ومجموعة من الأفراد يمارسون شغباً في أحد الشوارع، ما ضايق السكان والمارة وتعامل معه الجهاز الأمني، بحسب مسؤولياته، وفرّق التجمع المعكر لصفو الحياة العامة بهدوء». يذكر أن ريما الجريش، إحدى السعوديات التي أعلن التنظيم انضمامها إلي ساحاته القتالية في سورية قبل شهر، وهي إحدى إعلاميات تنظيم «داعش» ومن المتحدثات باسمه قبل «نفيرها» بحسب وصفها، على رغم تصريحها سابقاً بعدم تعاطفها مع التنظيم. وأوقفت غيرة مرة بسبب اعتصامات شاركت فيها في القصيم، ودعت فيها إلى التعاطف مع متهمين تُنظر قضاياهم المحكمة الجزائية المتخصصة. كما طالبت بإطلاق سيدة سعودية عرفت ب«سيدة القاعدة»، التي لا تزال تستكمل محكوميتها، بعدما حكم عليها بالسجن والمنع من السفر 15 عاماً. عشقي ل «الحياة»: دول مجاورة تستغل العواطف «المذهبية» لإحداث الشغب جرّم رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية بجدة اللواء الدكتور أنور عشقي، استغلال بعض الدول المجاورة عاطفة الأبناء وجرفهم بدافع حماستهم في الانتماءات المذهبية من أجل تسليحهم وتمويلهم لإحداث أعمال شغب في المملكة. وذكر أن ذلك «اتضح في كثير من عمليات القبض على مجرمين من طريق وزارة الداخلية، التي تفصح هذا الأمر بعد إجراء التحقيقات التي تتضمن تفاصيل، تربط بين المقبوض عليهم وبعض الدول من طريق الاتصال المباشر أو الوسيط». وأوضح عشقي أن «المملكة، تعتبر أصحابَ تلك الأعمال «ضالّين، يضرون أنفسهم وغيرهم، من خلال عمليات شغب وإرهاب ونوايا تخريب ينتج منها تفجير آمنين». وذكر أن ذلك «فعل يعاقب عليه القانون، وفي حال عدم تورطهم تقوم المملكة بمناصحتهم، والأخذ بأيدهم إلى الطريق السليم، حفاظاً على الأمن والأمان الذي تسعى وتعمل عليه». وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية ل «الحياة»: «إن هناك فئات على اتصال بدول أجنبية، وهي تحمل أغراضاً ضد المملكة. وأوضح أنه لطالما أن هؤلاء المطلوبين على اتصال بتلك الدول، فهناك ارتباط كبير بين الشغب الذي حدث وتلك الدولة». وأشار إلى أن المقبوض عليهم كانوا يتلقون تعليمات من الخارج. وأردف: «تلك التعليمات التي وردتهم هي من تسببت في أعمال الشغب التي وقعت طوال الفترة السابقة». وأوضح أن المملكة من حرصها تقوم بمتابعة كل الذين لهم علاقات واتصال بالخارج بغرض الإساءة لها، وتأجيج أمنها وأمانها وترويع مواطنيها، والقيام بأعمال شغب وتخريب لذا حصل القبض»، لافتاً إلى أن ذلك أتى بعد «عمليات تحرٍ موسعة، ثم أن التحقيقات بيّنت تفاصيل». وأكد عشقي أن «المملكة تعطي لأبنائها الحرية الكاملة في العمل والاتصال بالدول كافة»، موضحاً أنه «في حال أصبح الاتصال بالعناصر الأجنبية بغرض إيذاء المملكة وأمنها، فيصبح هذا الاتصال جريمة يعاقب عليها القانون». وأشار إلى أن «أعداء المملكة يحاولون توظيف الأفراد لإحداث القلق فيها، وارتكاب الجرائم، وذلك باستغلال عاطفة الأبناء، إما من طريق الانتماءات المذهبية». وأوضح أن هناك «دول جوار (لم يسمها) تستغل هذا الجانب المذهبي، وتقوم بإيهامهم بأنها تحميهم وتؤيدهم في كل ما يقومون به، وذلك ضعف نفس ودين للدولة». ولفت إلى أنه «لا يقع في ذلك الجرم إلا إنسان فقد الولاء لبلده ودينه الحقيقي». وأشار إلى أن هذه الدول «توحي لهم أنهم مظلومون ومضطهدون وغالباً ما تدعمهم بالأموال وتشتري ذمم المغررين بهم، والبعض باع نفسه للشيطان، وللجماعات الإرهابية، ما أحدث قتلاً وتفجيراً، تسبب به ضعف الولاء والعقل». وأكد أن «المملكة، وبخاصة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يصفهم ب «الجماعات الضالّة»، فهم ضلّوا وضللوا غيرهم، وهم أحدثوا جريمة ويعاقبون، وإن لم يحدثوا جريمة، تقوم المملكة بمناصحتهم وأخذهم إلى الطريق السليم». الشمري: المملكة مستهدفة ... ولكننا نتمتع بجهاز أمني قوي قال المختص في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية الدكتور منصور الشمري: «هناك جهات خارجية تم التنسيق معها للتدريب على أنواع الإرهاب واستهداف السعودية». وقال الشمري ل «الحياة»: «إن شبكة إرهابية تحاول أن تعمل بحذر شديد. وهذا يفسّره اختلاف الجهات والمناطق التي توجد فيها العناصر الإرهابية»، مضيفاً: «يبدو أن رصد الجهات الأمنية لهذه الشبكة الإرهابية كان دقيقاً جداً، وهذا يُظهره التفاوت الزماني والمكاني بين الأحداث، والقدرة على تتبعه من الجهات الأمنية». وأضاف: «تظهر في بيان وزارة الداخلية الصادر عوامل يجب أن تؤخذ في الحسبان، مثل العدد الكبير من السعوديين، وعدد من الجنسيات الأخرى التي تشارك في أعمال إرهابية داخل السعودية، والمناطق التي تم توقيف العناصر الإرهابية فيها، فهي مختلفة ومتفرقة، إضافة إلى 17 موقوفاً بسبب الإرهاب في العوامية، ومجموعة في محافظة القطيف تقوم ببناء جسور للإرهاب داخل السعودية، من خلال استقطاب عناصر وتدريبهم في الخارج، ثم الرجوع إلى السعودية للقيام بأعمال إرهابية، إضافة إلى وجود عناصر تقوم بتهريب الأسلحة للسعودية». وتابع الشمري: «ما يضاف لهذه الأعمال ما قامت به الداخلية من القبض على مجموعة سابقاً في محافظة تمير، تقوم باستقطاب العناصر ثم إرسالها للقتال في مناطق الصراع، وما حدث كذلك من القبض على عناصر أخرى لاحقاً، ومشاركة الجنسيات الأخرى، وبخاصة الجنسية السورية التي بلغت 17 عنصراً للقيام بعمليات إرهابية ضد السعودية يبدو مقلقاً، وبخاصة في ظل الصراع القائم في سورية، والسؤال الضمني لهذه القراءة، هو: هل هذه العناصر السورية التي تم القبض عليها تعمل لمصلحة جهات مستفيدة؟ وهل هناك عناصر سورية موجودة ما زالت تعمل للإخلال بأمن الوطن؟ وهذا السؤال يوجب على المواطنين والمقيمين في المملكة توخي الحذر الشديد، فالمملكة مستهدفة، وبيان الداخلية يدل على ما يوجب القلق من جانب، ومن جانب آخر يدل على القدرة الأمنية على التتبع والرصد وحماية المقدرات الوطنية، وهذا ما يعتز به كل مواطن ومقيم في السعودية».