"سأضطر لترك زراعة القطن لو استمرت عائده في الهبوط فالتكلفة مرتفعة والغلة تتناقص والمحاصيل الغذائية ربحها مضمون": مثله مثل غالبية المزارعين المصريين اصبح منصور احمد منصور يفكر في التوقف عن زراعة "الذهب الابيض". منذ أن ادخل مؤسس مصر الحديثة محمد على زراعته في العام في العام 1820, صار القطن المصري طويل التيلة يوصف بانه الاجود على مستوى العالم ما دعا الخبراء الى استلهام النموج التركي لانقاذه. ولكن "الذهب الابيض" الذي تتباهى بيوت الازياء العالمية بتصنيع ملابسها منه اصبح في خطر, فانتاجه يتقلص باضطراد حتى انه سجل العام الجاري ادنى مستوى لها منذ اكثر من مئة عام. في قريته انشاص, القريبة من مدينة بلبيس (75 كيلومترا شمال شرق القاهرة), يمتلك منصور 40 قيراطا من الاراضي الزراعية (هكتار واحد). هذا العام زرع نصفها قطنا والنصف الثاني ارزا. ويشرح المزارع البالغ من العمر 34 عاما لماذا اتخذ هذا القرار قائلا "من قبل كنا نزرع كل مساحة الارض قطنا اما الان فصرنا نقسمها ما بين القطن والمحاصيل الغذائية لاننا لا نضمن ربحيته". ويتابع "تكلفة الزراعة عالية فالعمالة اللازمة لزراعة وحصاد القطن مكلفة فهو محصول كثيف العمالة فضلا عن ان المبيدات سعرها مرتفع وفي النهاية لا نضمن سعر البيع في نهاية الموسم". ويضيف منصور ان الانتاجية انخفضت كذلك "فمن قبل كنت ازرع 20 قيراطا فاحصد 10 او 12 قنطارا من القطن امام اليوم فان نفس المساحة تنتج 5 قنطارات فقط" ويعزو ذلك الى "ان البذور التي نحصل عليها من وزارة الزراعة اصبحت اقل جودة". وبحسب احصائيات الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن, وهي هيئة لضمان الجودة تابعة لوزارة التجارة الصناعة, فان انتاج القطن بلغ 105 الف طن في العام وهي اقل كمية تنتجها الاراضي المصرية منذ العام 1900. وكان الانتاج 227 الف طن في العام 2007/2008 اي انه انخفض خلال عام واحد بنسبة 54% تقريبا. وتقلصت المساحات المزروعة قطنا بنسبة مماثلة تقريبا, فبلغت 316.234 في العام 2008 مقارنة ب 550.625 فدانا في العام السابق. وكانت مساحات زراعة القطن 933.047 في العام 1990 اي ثلاثة اضعاف المساحة المزروعة هذا العام. ويقول الخبراء ان الازمة المالية العالمية كان لها اثر في تراجع انتاج القطن هذا العام بسبب انخفاض الطلب في الدول الصناعية المتقدمة ولكن جذور المشكلة تعود برأيهم الى ما قبل ذلك. ويشيرون الى ان التراجع في زراعة القطن بدأ في العام 2004 مع التحرير الكامل لتجارة القطن تطبيقا لالتزامات مصر في الاتفاقيات التي وقعتها في اطار منظمة التجارة العالمية. ويوضح محمد عبد السلام الخبير في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة المصرية انه "قبل تحرير تجارة القطن كانت الحكومة تحدد في بداية الموسم الزراعي سعر القطن ثم تشتريه من المزارعين وتتولى تسويقه في الداخل والخارج فكان هذا يشجع المزارعين على زراعة مساحات كبيرة من دون التخوف من تقلبات الاسعار في السوق". ويضيف "تغير الوضع وتقصلت المساحة بعد ان توقفت الحكومة عن تقديم اي دعم للمزارعين". ويدعو الخبير الى تدخل حكومي لانقاذ "الذهب الابيض". ويقول "ان الولاياتالمتحدة رغم التزاماتها في اطار منظمة التجارة العالمية مازالت تدعم زراعة القطن وبعض دول الاتحاد الاوروبي كذلك وعلى رأسها اليونان". وعلى الرغم من ذلك فانه لا يطالب بدعم حكومي للمزارعين وانما يأمل "في قرار سياسي بدعم زراعة وصناعة القطن لان ذلك في مصحلة مصر". ويقول "المطلوب تدخل حكومي من اجل عملية انتاجية تكاملية تدعم زراعة القطن وصناعة الغزل والنسيج, فتصدير القطن السعر خطأ جسيم لان القيمة المضافة عند تصنيعه كبيرة جدا وصناعة الغزل والنسيج ستدر على الاقتصاد القومي عشرة اضعاف الدخل الناتج من تصدير القطن الخام وستفتح الباب لاستيعاب اعداد كبيرة من العمالة". ويدعو عبد السلام الى استلهام النموذج التركي ويقول: "كما نتقدم على تركيا ولكن عندما جاء تورغوت اوزال (رئيس الوزراء التركي في الثمانينات) اتخذ قرارا سياسيا بدعم القطن وصناعة النسيج". ويتابع "العام الماضي كان انتاجنا من القطن 2.5 مليون قنطار بينما بلغ انتاج تركيا 15 مليون قنطار وبلغت قيمة صادراتهم من صناعة النسيح ما بين 15 الى 20 مليار دولار اي 15 او 20 ضعف قيمة صادراتنا". ويظل انتاج القطن ضعيفا بصرف النظر عن جودته وهو يواجه منافسة من الاقطان قصيرة ومتوسطة التيلة التي تزايد الطلب عليها في السوق الدولية التي تهمين عليها الصين (8 مليون طن سنويا) والهند (5 مليون طن) والولاياتالمتحدة (2.8 مليون طن). ولم يشهد متوسط سعر القطن تغيرا يذكر هذا العام اذ بلغ 3350 دولار للطن في الموسم الجاري (2008-2009) في حين كان 3575 دولار في الموسم السابق (2007-2008).