لا شك في أن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 – التي حلت قبل أيام ذكراها الثامنة – أضحت الحادثة الأكثر توليداً لنظريات «المؤامرة». ومن المفارقات أن المسلمين الذين عانوا أكثر من غيرهم من تبعات تلك الهجمات الإرهابية كانوا هم الذين بادروا إلى رسم نظريات «مؤامرة»، ذهب بعضها إلى حد اتهام أميركا (الضحية) بتدبير الهجمات. وبعد مرور ثماني سنوات بدأ الغرب ينغمس في نظرية مؤامرة توصل إليها خبراؤه في شؤون الإرهاب وحركات التطرف الإسلامي... وأبرزها الزعم بأن زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن توفي منذ سبع سنوات، لكن أميركا وبريطانيا تخفيان نبأ موته لضمان استمرار التأييد لما كان يعرف ب«الحرب على الإرهاب». ولا تكتفي نظرية العام 2009 بالتشكيك في حياة ابن لادن، بل توغل إلى درجة الطعن في الزعم بأنه أعلن تحمل تنظيمه مسؤولية الهجمات على نيويورك وبنسلفانيا وواشنطن. وطبقاً للرصد الإعلامي الذي ظل يلاحق كل ما يصدر عن ابن لادن منذ هروبه إلى سلسلة جبال تورا بورا في أفغانستان وتواريه عن الأنظار بُعيد الهجمات الانتقامية الأميركية - البريطانية، فإن آخر رسالة صوتية زعم أنها صادرة عن ابن لادن بثت في 3 حزيران (يونيو) الماضي، وتزامنت مع هبوط طائرة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الرياض، في طريقه إلى القاهرة حيث ألقى خطابه الشهير الموجه إلى العالم الإسلامي. وكالعادة فإن شريط ابن لادن الذي بثته قناة «الجزيرة» الفضائية القطرية تضمن تهديدات مرعبة للولايات المتحدة والغرب، على غرار ما اعتاد تضمينه في ما يزعم أنها شرائط مسجلة بصوت المطلوب الأول للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وكالعادة أيضاً فإن شبكات التلفزة الأميركية والغربية خفت لتعزيز «صدقية» التسجيل الصوتي ببث خبر يتم إسناده إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. ايه.) يفيد بأن التحليل الفني للشريط يؤكد أنه صوت زعيم «القاعدة». وتعني تأكيدات ال«سي. آي. ايه.» أن ابن لادن لا يزال على قيد الحياة، وأن مطاردته يجب أن تستمر إلى أن يقبض عليه « حياً أو ميتاً» بحسب ما توعده الرئيس السابق جورج دبليو بوش بعد بضعة أيام من وقوع الهجمات. وبالطبع فإن بوش ومعاونيه سارعوا إلى تحميل ابن لادن مسؤولية تدبير الهجمات، ما يجعل القبض عليه «حياً أو ميتاً» الأولوية القومية القصوى للقوات وأجهزة الأمن الأميركية. وسارعت وزارة الخارجية الأميركية لتعلن منح مكافأة تبلغ قيمتها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات ترشد إلى مكان وجود زعيم «القاعدة». وأردفت سلطات مكتب التحقيقات الفيديرالي ذلك بنشر قائمة بأسماء العشرة الأكثر طلباً للعدالة الأميركية، ويحتل ابن لادن المرتبة الأولى في تلك القائمة. وطلب المكتب من الجمهور البحث مع السلطات عن رجل «أعسر»، يمشي مستنداً إلى «عكاز»، ذي لحية طويلة يعلوها الشيب. ولم تنجح مئات الأطنان من القنابل الثقيلة المعدة خصيصاً لاختراق الكهوف وتدمير الجبال في العثور على ابن لادن الذي كرست له الولاياتالمتحدة أضخم عملية من نوعها للقبض على فرد، في منطقة جبلية تمتد 2400 كيلومتر على الحدود بين باكستانوأفغانستان. وعلى رغم أن الرئيس أوباما نجح في انتخابات الرئاسة في عام 2008 على أساس آرائه المناهضة لسياسات سلفه رئيس «الحرب على الإرهاب»، ووعده بسحب القوات الأميركية من العراق، وتغيير السياسة الخارجية تجاه العالم الإسلامي، إلا أنه اضطر للخضوع لتوصيات مستشاريه الأمنيين بالزج بمزيد من القوات في أفغانستان، بل شن حملة عسكرية جديدة لمطاردة ابن لادن بمساعدة الجيش والاستخبارات الباكستانية والقوات الخاصة البريطانية، بدعوى أن ابن لادن لا يزال «الهدف الرئيسي» لما كان يسمى «الحرب على الإرهاب». وبالطبع فإن «المغامرة» الجديدة في منطقة وزيرستان الباكستانية الوعرة تقوم على الافتراض بأن ابن لادن ما زال حياً يرزق. وكيف لا وهناك عدد كبير من الشرائط الصوتية والمرئية التي «تؤكد» بقاءه على قيد الحياة، وآخرها شريط 3 حزيران 2009. هنا تأتي فرضية «المؤامرة» من جانب الغربيين أنفسهم. إذ يرى عدد كبير من الخبراء والمستشارين الأمنيين أن ثمة دلائل قوية تشير إلى أن زعيم «القاعدة» مات وشبع موتاً، وأن جميع الشرائط الصوتية والمرئية التي نسبت إليه منذ وقوع هجمات 2001 «مزيفة»، وأن الحلفاء الغربيين عمدوا إلى «دس» تلك التسجيلات لاستمرار حشد التأييد لحربهم على الإرهاب. وطبقاً لصحف أميركية وبريطانية وأسترالية فإن دائرة متسعة من الخبراء والأكاديميين والمختصين بشؤون الإرهاب غدوا ميالين للأخذ بهذه الفرضية. وإن كان ذلك يعني أنها ستكون واحدة من نظريات المؤامرة التي نسجت حول حقيقة هجمات سبتمبر، سواء من جانب المسلمين أم من الغربيين. انطلقت نظرية «موت ابن لادن» أول أمرها من خلال مقال نشرته مجلة «أميركان سبكتاتور» مطلع العام الحالي، كتبه ضابط الاستخبارات الأميركي السابق وأحد كبار محرري المجلة انجيلو كودفيلا الذي يدرس العلاقات الدولية في جامعة بوسطن. وقد كتب بالحرف: «كل الدلائل تشير إلى أن (مطرب الروك آند رول) الفيس بريسلي هو أيضاً على قيد الحياة مثل أسامة بن لادن». وأشار البروفيسور كودفيلا إلى «مفارقات» في شرائط الفيديو التي يزعم أن ابن لادن يظهر فيها. وقال إن الحقيقة تؤكد أنه لا يوجد حتى الآن نبأ مؤكد عن مشاهدة زعيم «القاعدة» منذ سنوات عدة. وأشار - تحديداً – إلى أن أجهزة التنصت الخاصة بوكالات الاستخبارات الغربية لم ترصد أي مكالمة بين ابن لادن وإخوانه منذ أواخر سنة 2001. وزاد: «الشرائط الصوتية والمرئية التي يزعم بأن أسامة أطلقها لا تقنع المراقب المحايد مطلقاً». وقال إن الشخص الذي يُدعى انه ابن لادن في تلك الشرائط «لا يشبه أسامة، إذ إن بعضها يظهره بأنف سامي معقوف، فيما يظهر في تسجيلات مرئية أخرى بأنف أقصر. تضاف إلى ذلك الاختلافات الظاهر في لون وشكل لحيته». وقال أشهر خبراء أميركا في شؤون ابن لادن البروفيسور بروس لورنس الذي يترأس شعبة الدراسات الدينية بجامعة ديوك، إن المسحة «العلمانية» في عدد من تسجيلات ابن لادن المزعومة لا تتفق مطلقاً مع التشدد والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة اللذين كانا يغلبان على رسائل ابن لادن السابق. ولاحظ البروفيسور لورنس أن ابن لادن يظهر في أحد التسجيلات المرئية وهو يرتدي خاتماً ذهبياً على أحد أصابع يده، وهي ممارسة لا وجود لها لدى «السلفيين» أمثاله. وأشار بوضوح إلى صور زعيم «القاعدة» في عام 1998 وتلك التي زعم أنه أطلقها في عام 2002.