ظهر رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون في كاريكاتور نشر قبل أيام في صحيفة «دايلي مايل» في شكل الدمية الخشبية «بينوكيو»، أي الفتى الذي يطول انفه كلما كذب.ويبدو براون في الكاريكاتور واقفاً في غرفة عمليات، وأنفه الحاد الطويل المثير للسخرية يقفز من وجهه. وفي الصورة، يستعد الجراح لإجراء عملية لأنف براون ويسأله: «كالمعتاد، دولة الرئيس؟» هذا الكاريكاتور يعكس التراجع العام في شعبية براون. ومن المتوقع أن تكون مسألة الصدق النسبي لبراون وقادة الحزبين الرئيسين في المعارضة عاملاً مهماً في الحملات الانتخابية التي ستسبق الانتخابات العامة المتوجب إجراؤها قبل حزيران (يونيو) 2010. أصبحت شعبية براون متدنية إلى حد كبير هذه الأيام. ففي استطلاع للرأي نشر في صحيفة «تايمز»، اعتبرت نسبة 48 في المئة من الناخبين أن «أي شخص على الإطلاق» من حزب العمال قادر على تأدية مهام رئيس الوزراء أفضل من براون. وسمّى 17 في المئة من الناخبين خلفاً يعتقدون أنه قد يكون أفضل أداءً من براون. إلى جانب ذلك، أظهر استطلاع للرأي نشر في صحيفة «غارديان» أن براون يترك انطباعاً إيجابياً لدى 28 في المئة فقط من الناخبين، مقابل 52 في المئة لمصلحة زعيم حزب المحافظين ديفيد كامرون. ويتوقع الكثير من الأشخاص أن يلحق حزب المحافظين الهزيمة بحزب العمال في الانتخابات العامة العام المقبل. وفي استطلاع «غارديان»، بلغت نسبة مؤيدي حزب المحافظين 43 في المئة، مقابل 26 في المئة لحزب العمال، و19 في المئة لحزب الديموقراطيين الأحرار. وتجدر الإشارة إلى أن معنويات أعضاء حزب العمال كانت محبطة في وقت استعدادهم للاجتماع أمس في مدينة برايتون الساحلية جنوبلندن لمناسبة المؤتمر السنوي للحزب الذي يستمر الأحد الواقع فيه 27 أيلول (سبتمبر) حتى الأول من تشرين الأول (أكتوبر). لكن غوردن براون يعتبر بطلاً في الساحة الدولية، ففي ليل 22 الجاري في نيويورك، تم تكريمه كأفضل رجل دولة لهذا العام خلال عشاء فاخر شاركت فيه شخصيات معروفة دولياً كالملكة رانيا، ملكة الأردن، ونجم موسيقى الروك بونو، ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك. ويُذكر أن براون شارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفي اجتماع الدول العشرين في بيتسبورغ. وتلقى براون جائزة من «مؤسسة نداء الضمير» تولى تقديمها هنري كيسنجر. وأشادت المؤسسة بما يتمتع به براون من «مهارات قيادية مبنية على التعاطف في التعاطي مع القضايا الشائكة التي تواجهها البشرية»، و «بالتزامه الحرية والكرامة الإنسانية والبيئة، وبالدور البارز الذي أداه في المساعدة على إعادة الاستقرار إلى النظام المالي العالمي». وقبل أيام، كان براون الزعيم الأول في العالم الذي يقترح المشاركة شخصياً في محادثات تغير المناخ التي ستُعقد خلال كانون الأول (ديسمبر) للمساعدة في التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن، مع الإشارة إلى أن هذه المحادثات مهددة بالفشل إلى حدّ كبير. وتعليقاً على الموضوع، قال براون: «علينا عدم تفويت فرصة إنقاذ الأرض». لكن، على رغم الاستحسان الذي يحظى به براون على المستوى الدولي، تستهدفه انتقادات متواصلة في بريطانيا بسبب كيفية تعاطيه مع المسائل الاقتصادية وغيرها. وشهدت صدقيته تراجعاً إضافياً خلال فصل الصيف بفعل تشبثه برفض الاعتراف علناً بحاجة الحكومة البريطانية إلى فرض تدابير واسعة لخفض الإنفاق العام بغية التصدي لآثار الركود الاقتصادي على وضع بريطانيا المالي. وعلى رغم بروز بعض الإشارات الى «براعم خضراء» تبشّر بتعافي الاقتصاد، سيكون هذا التعافي هشاً طوال العام المقبل. وحذّر بعض الخبراء من حدوث موجة ثانية من الركود. إلى جانب ذلك، يرتفع عدد العاطلين من العمل في بريطانيا إلى 2.5 مليون شخص، وهو مرشح للارتفاع. كما أن نسبة العاطلين من العمل في صفوف الشباب تبلغ 1/5. وأظهر استطلاع الرأي الذي أُجري لمصلحة صحيفة «غارديان» أن 14 في المئة فقط من المصوتين يعتبرون أن حزب العمال يقول الحقيقة بشأن المالية العامة في بريطانيا، في حين أن 36 في المئة من المصوتين يثقون بما يقول حزب المحافظين، مقابل 32 في المئة لحزب الديموقراطيين الأحرار. واعتبر ثلث الأشخاص المُستطلعة آراؤهم، أي 32 في المئة منهم، أن هذه الأحزاب لا تقول الحقيقة. ويُنتقد براون باستمرار لقلة حنكته السياسية. أحد الأمثلة على ذلك كشف «وكالة الحدود البريطانية» أن المدعي العام البارونة سكوتلاند استخدمت امرأة من تونغا دخلت إلى بريطانيا بصورة غير شرعية للاهتمام بمنزلها. وتم تغريم سكوتلاند بحوالى 5 آلاف جنيه إسترليني. واعتُبرت هذه المسألة خطيرة بصورة خاصة لأن البارونة سكوتلاند، التي تمثل كبار المسؤولين القانونيين في بريطانيا، خرقت بفعلها هذا قانون الهجرة التي ساعدت بنفسها على تمريره في البرلمان. على رغم خطورة هذا الوضع، لم يقدم براون على تسريح البارونة، إنما سمح لها بالبقاء في منصبها لأنها استخدمت المرأة من باب حسن النية واعتذرت تماماً عما قامت به، على حد تعبيره. ويُذكر في هذا الصدد أن حزبي المحافظين والديموقراطيين الأحرار طالبا باستقالة البارونة. وطغت مسألة خفض الإنفاق العام على جدول الأعمال السياسي في بريطانيا قبل انعقاد المؤتمر السنوي لحزب العمال، لأن الدين الحكومي يرتفع بوتيرة سريعة. كما تشير التقديرات إلى أن القيمة الإجمالية للعجز ستبلغ 175 بليون جنيه إسترليني خلال هذا العام. وفي الأشهر الخمسة الأولى من السنة، اقترضت الحكومة 65.3 بليون جنيه إسترليني، في ما يمثل ارتفاعاً بواقع مرتين ونصف المرة مقارنةً بالأموال التي اقتُرضت في الفترة عينها من عام 2008 أي 26.1 بليون جنيه. وخلال فصل الصيف، وقال براون ان حزب العمال سيواصل الاستثمار لتخطي الركود الاقتصادي، ووصف حزب المحافظين بأنه حزب «خفض الإنفاق». وردد براون مراراً «يجب على البريطانيين أن يختاروا خلال الانتخابات العامة المقبلة بين الاستثمار تحت ولاية حزب العمال والتخفيضات الملموسة في الإنفاق تحت ولاية حزب المحافظين». وزعم أن المحافظين قد يخفضون الإنفاق على الخدمات الحيوية في الأعوام الثلاثة الممتدة من 2010 إلى 2014 بنسبة إجمالية تساوي 10 في المئة، ولقب ديفيد كامرون ب «سيد العشرة في المئة». ولكن، في تطور محرج لبراون، سرّب حزب المحافظين في أواسط هذا الشهر مستندات سرية من وزارة الخزانة ترجّح خفض الإنفاق الحكومي بنسبة 9.3 في المئة بين عامي 2011 و2014، وهي نسبة تساوي تقريباً تلك التي اتّهم براون حزب المحافظين بالتخطيط لها. وكان ديفيد كامرون قاب قوسين أو أدنى من اتهام رئيس الوزراء بالكذب، وقال إن الحكومة أصابت بالتخطيط لهذه التخفيضات، لكنها أخطأت بمحاولة تغطية خططها الرامية إلى ذلك. واستخدم براون كلمة «تخفيضات» علناً للمرة الأولى في 15 أيلول، خلال «مؤتمر نقابات العمال»، واعترف بأن حكومته ستقدم على «خفض التكاليف والحدّ من الخطوات غير الفعالة والبرامج غير الضرورية، وستعمد إلى خفض الميزانيات ذات الأولوية». لكنه أصر على أنه لن يدعم خفض «الخدمات الحيوية» التي يعتمد عليها البريطانيون. وعلى رغم الاعتراف بحتمية خفض الإنفاق العام، يحاول أعضاء الحكومة التشديد على أوجه التباين بين مقاربتي حزب العمال وحزب المحافظين إزاء عملية الخفض هذه. وأفاد وزير التجارة البريطاني اللورد بيتر مندلسون بأن مقاربة حزب المحافظين ستكون مبنية على مبدأ «القطع والحرق» على عكس مقاربة حزب العمال، مضيفاً أن «لعاب المحافظين يسيل» لفكرة خفض الإنفاق. ولا تقتصر الخطوات المتعثرة التي يعتبر البعض أن براون قام بها خلال فصل الصيف على مسألة خفض الإنفاق العام فحسب. فموقفه من إطلاق الحكومة الاسكتلندية المواطن الليبي المسؤول عن تفجير لوكربي عبد الباسط علي محمد المقرحي في 20 آب (أغسطس) الماضي أثار الكثير من الانتقادات أيضاً. وفي الحقيقة، أطلقت الحكومة الاسكتلندية المقرحي من سجنه حيث كان يقضي عقوبة السجن المؤبد لتفجيره طائرة «بان أم» فوق مدينة لوكربي في كانون الأول (ديسمبر) 1998 لدواعي الرحمة كونه يعاني من سرطان البروستاتا في مراحله الأخيرة. غير أن «استقبال الأبطال» الذي حظي به المقرحي بعدما حطت الطائرة التي كانت تقله في طرابلس أثار غضب العديد من البريطانيين والأميركيين. واستاء البعض من ملازمة براون الصمت أياماً بعد إطلاق المقرحي. وأصرت الحكومة البريطانية على أن إخلاء سبيل المقرحي هو شأن يخص الحكومة الاسكتلندية وحدها. بيد أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند اعترف بأن حكومته لم تكن تريد أن يموت المقرحي في السجن. وأفادت تقارير عن صفقات سرية بين ليبيا وبريطانيا في مجال النفط والأعمال والسياسة مهدت الطريق أمام إطلاق المقرحي. غير أن خطوة إخلاء السبيل هذه وموضوع العلاقات البريطانية - الليبية برمته لا يزالان مسألتين مثيرتين للجدل بالنسبة إلى الكثيرين، ليس بسبب قضية لوكربي فحسب، بل أيضاً بسبب تزويد الدولة الليبية خلال عام 1970 وفي حقبة الثمانينات الجيش الجمهوري الايرلندي بمتفجرات من طراز «سمتكس» وبالأسلحة، وبسبب قتل الشرطية الشابة إيفون فلتشر عام 1984 برصاص أُطلق من السفارة الليبية في لندن. وفي الأسابيع التي تلت إطلاق المقرحي، صدرت تسريبات ومعلومات بصورة شبه يومية في الصحف عن التنازلات التي قدمتها بريطانيا بغية تحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية بليبيا. لكن قضية المقرحي أساءت الى «علاقة بريطانيا الخاصة» بالولاياتالمتحدة، وأطلع الرئيس باراك أوباما براون خلال مكالمة هاتفية على خيبة أمله إزاء إطلاق المقرحي. وتردد قبل زيارة براون الولاياتالمتحدة للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة الدول العشرين في بيتسبورغ، أن أوباما لن يقابل رئيس الوزراء البريطاني لإجراء محادثات ثنائية، لكن المقابلة تمت في اللحظات الأخيرة من قمة العشرين. وتمثل الحرب في أفغانستان سبباً آخر للتراجع المتزايد في شعبية حكومة براون. فحصيلة القتلى ترتفع باستمرار وبلغت 217 قتيلاً في 21 أيلول الجاري. كما أن الخلافات بين القيادة العليا للقوات المسلحة والحكومة بشأن نقص الطوافات وغيرها من المعدات العسكرية الحيوية ازدادت حدةً ويتم تناقلها على نطاق أوسع. وأثارت الانتخابات الرئاسية المزورة ظاهرياً في أفغانستان والنجاحات العسكرية المتزايدة لحركة طالبان شكوكاً جديدةً في شأن السياسة البريطانية والأميركية. وفي 22 أيلول، أصبح حزب الديمقراطيين الأحرار، خلال مؤتمره السنوي، أول حزب بريطاني بارز يطالب بإنهاء الحرب في أفغانستان. ودعا أعضاء الحزب إلى مرحلة ديبلوماسية جديدة و «تناول الشاي مع حركة طالبان». وكاد براون يسقط جراء محاولة انقلاب من داخل حكومته في حزيران (يونيو)، وتصدر اليوم تقارير متواصلة تفيد بأن براون سيواجه تحدياً جديداً على مستوى القيادة. وأخيراً، اتُهمت هاريت هارمان، ونائبة زعيم الحزب ورئيسة مجلس العموم البريطاني، بالتخطيط لمثل هذا التحدي. ويعتبر وزير الداخلية آلان جونسون ووزير العدل جاك سترو ووزير الخارجية ديفيد ميليباند وأخوه الصغير إيد ميليباند، وزير الطاقة وتغير المناخ، خلفاء محتملين لبراون. لكن من المرجح أن يبقى براون في منصب رئيس الوزراء حتى الانتخابات العامة، إلا في حال استقال بنفسه لأسباب صحية. وبالفعل، تتردد شائعات على الإنترنت وفي بعض الصحف تفيد بأنه يعاني من اكتئاب وأنه يخضع لعلاج ويتناول صنفاً من أدوية الاكتئاب المعروفة باسم «مثبطات أكسدة الأمينات الأحادية». ولدى سؤاله عن هذا العلاج تهرب من الجواب.