يقف خالد العروقي في انتظار أن ينتهي جهاز صغير من تسخين الماء، فيما أوصل مساعده الشاب الصغير خالد ياغي (20 سنة) التيار الكهربائي الى المكنسة الكهربائية، وشرع في «شفط» الأتربة من أرضية السيارة. مرت خمس دقائق قبل أن يشرع العروقي، الطالب في السنة الثالثة في قسم ادارة الأعمال في الجامعة، في غسل سيارة بيضاء متسخة جداً باستخدام جهاز يضخ بخاراً مضغوطاً على جسم السيارة. وكان العروقي وصل الى إحدى البنايات يقود سيارته الصغيرة برفقة زميله ياغي بعدما اتصل به مالك سيارة خاصة بيضاء كان سمع من زملائه عن «غسيل ديليفري». انحنى الشاب الطويل البالغ من العمر 23 سنة، ليدقق النظر في البقع والأوساخ الملتصقة بجسم السيارة نتيجة وقوفها ساعات طويلة يومياً على جانب الطريق تحت شجرة تتساقط منها حبيبات كروية صغيرة سوداء. ضخ العروقي البخار على البقع السوداء لفترة أطول من المعتاد باستخدام «الفرد» الموجود في طرف خرطوم موصول الى الجهاز الذي يعمل بمولد وينفث دخانه من داخل سيارة «بيك آب» صغيرة. فكر العروقي طويلاً الى أن اهتدى الى اقامة مشروعه الخاص قبل أن ينهي تعليمه الجامعي خشية أن يصبح رقماً من أرقام العاطلين من العمل الذين بلغت نسبتهم نحو 65 في المئة في قطاع غزة، وفق تقديرات الباحث المختص في الشؤون الاقتصادية عمر شعبان الذي اكد أن معدلات البطالة ارتفعت في القطاع في شكل كبير في النصف الثاني من العام الماضي نتيجة اغلاق مئات أنفاق التهريب من مصر، وتوقف عشرات الآلاف عن العمل في الأنفاق وقطاع الإنشاءات أيضاً. وأضاف ان معدل البطالة يصل الى 37 في المئة في القطاع ونحو 25 في المئة في فلسطين عموماً، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وهو يعتقد أن معدلات البطالة بين خريجي الجامعات ترتفع الى أكثر من 70 في المئة، خصوصاً ان الجامعات تخرج نحو 25 ألف طالب سنوياً. وقال العروقي ل «الحياة» بينما كان منهمكاً في «تلميع» السيارة وإظهار لونها الأبيض، إنه كان يتمنى أن يقيم «محطة لغسيل السيارات يكون ملحقاً بها مطعم وكوفي شوب، وهي فكرة غير مألوفة في القطاع وتكلّف الكثير من الأموال». وأضاف أنه اكتشف بعد درس الفكرة أن «الوضع السياسي الأمني لا يسمح بإنشاء مثل هذا المشروع»، فضلاً عن أن «الفكرة غير مألوفة وغريبة وجديدة»، وقد تلقى معارضة من الحكومة التي تقودها حركة «حماس» في القطاع، أو استهجاناً وعدم قبول من الناس. وأشار الى أنه اهتدى الى فكرة غسيل السيارة بهذا الجهاز الصغير المصنوع في كوريا الجنوبية، موضحاً أنه لجأ الى صديق مصري كي يستورده باسمه، وانتظر نحو خمسة أشهر الى أن تمكن صديقه المصري من ارساله له الى غزة عبر أنفاق التهريب، وبدء العمل في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ورداً على سؤال ل «الحياة» عن الجدوى الاقتصادية لمثل هذه المشاريع وأثرها في حل مشكلة البطالة، رأى شعبان أن «الفكرة ابداعية وغير تقليدية وتعطي مؤشراً الى طريقة التفكير خارج الصندوق». وأضاف أن «هذا المشروع لا يتطلب الكثير من الأموال، ويشجع الشباب على البحث عن مشاريع مماثلة تساهم في تخفيف حدة البطالة»، فضلاً عن أن للمشروع «آثاراً ايجابية في البيئة، إذ لا يستهلك الكثير من المياه». وخلافاً للاستهلاك الكبير للمياه في غسل السيارة الواحدة في محطات الغسيل التقليدية، قال العروقي إنه لا يستهلك في غسل سيارة واحدة سوى خمسة لترات من المياه، أي 50 لتراً للسيارات العشر التي يغسلها يومياً. وأوضح أن الجهاز يسخن اللترات الخمسة ويحولها الى بخار، ما يساعد في تنظيف أكثر نجاعة من الغسيل العادي، وهو ما أخذه في الاعتبار عند بدء العمل على هذا المشروع. وأشار الى ان مشروعه هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، إذ لا تعرف الدول العربية الجهاز الكوري المعروف في كثير من دول العالم، ويستخدم في تنظيف المنازل والمنشآت. ولفت الى أنه يحاول حالياً شراء جهازين آخرين من شركة «أوبتيما ستيما» الكورية الجنوبية، لكن من دون جدوى نظراً لإغلاق الأنفاق. وبعد بحث وجد العروقي أن للشركة فرعاً في إسرائيل، لكنها تبيع الجهاز بأكثر من ضعف السعر الذي اشتراه. يذكر ان العروقي يتقاضى 30 شيكلاً في مقابل كل سيارة يغسلها، وبمعدل 10 سيارات يومياً، ليبلغ ربحه الصافي من كل سيارة نحو خمسة شواكل، علماً ان الدولار الواحد يعادل أقل من ثلاثة ونصف الشيكل.