يتكئ المصور هراير سركسيان في صورته على الفراغ كثيمة عمل، ما يتيح للمتلقي الوقوف مطولاً أمام صور قد تبدو عادية في ظروف أخرى غير تلك التي يقدمها المصور في البيت الأزرق - دارة الفنون في عمّان. يقدم الفنان الأرمني السوري وجهة نظر مخالفة للفكرة البصرية، ضمن معرض «حوار في عمّان»، وهو احتفالية بفنون جنوب العالم. تلك النظرة في عيون المعلقين على المشانق في دمشق، علقت في عين التلميذ الذاهب إلى مدرسته صباح يوم غير عادي، ما حوّل الطفل الى موثق لما رآه، لكن ضمن فكرة ومشروع سعى إلى تنفيذهما في العام 2008، تحت عنوان «ساحات الإعدام». تلك الساحات التي صار عمرها 500 سنة، أسس لها المستعمر العثماني وتركها خلفه في أكثر من مدينة سورية. ورث سركيسيان (مواليد دمشق عام 1973) مهنة التصوير عن والده، لكنه ما لبث أن خرج من جلبابه إلى عالم الصورة خارج حدود الاستوديو التقليدي، ليبحث في جوهر جديد وأفكار تحاكي (أرمينيا وسورية). وفي معرضه «ساحات الإعدام» سعى إلى الرجوع إلى طفولة شاهدة على مأساة في الشارع العام، كي يعالجها بطريقته ويقدمها كفكرة توثيقية. ويقول الفنان الحائز جائزة «أبراج غروب كابيتال» في معرض «آرت دبي» العام الماضي: «هذه الساحات حولها الحاكم العثماني إلى محكمة علنية، لكنها بقيت تعمل بعدما خرج المستعمر العثماني سنوات طويلة، وهي جزء من ذاكرة الشعب السوري. في التسعينات كان يعدم كل مجرم أو سارق في كل ساحة كان قد ارتكب في جوارها فعلته». «ثلاث جثث كانت معلقة على المشانق صباح يوم كنت فيه تلميذاً عادياً ذاهباً إلى المدرسة، لكنها كانت كفيلة بأن تبقى معي مدى الحياة»، كما يقول. ويضيف: «نظرات المشنوقين اشتبكت مع نظرتي إليهم، عُلّقت عليهم لافتتات كُتب عليها أسماؤهم وسبب الحكم عليهم، أحسست كأنهم كانوا ينظرون إليّ في تلك اللحظة التي مررت فيها بهم متوجهاً الى المدرسة... لم انسَ حتى الآن ذلك الموقف الذي رافقني ولا يزال يرافقني دائماً». بالنسبة إلى سركسيان التصوير يستخدم كبرهان ودليل، ولذلك «صورت الساحات كي أحاول أن أنسى تلك النظرة، وقدمت الصورة لتحكي تلك الفكرة للناس. أردت ان يشاهدوا ظلال الذين نُفّذت فيهم الإعدامات في تلك الساحات. الصورة حديثة ولكن الجثة عالقة في البال والماضي، تلك التي تأبى أن تمحى من الماضي، الصورة في هذا العمل هي استنتاج لما كان يجري». ويشير الى أن فكرته في «ساحات الإعدام» ليست سياسية، «فالساحات التي كانت عنوان هذا الحكم لا تزال موجوده، ولها تاريخها الطويل». لم يعرف سركسيان لماذا تسكنه فكرة تصوير المباني المهجورة، فهو من الفنانين الذين سلطوا الضوء خلال تجربتهم على هذه الأفكار، وأقام معارض عدة تناولت هذه التجربة. ويقول: «اشتغلت كثيراً على المباني غير المكتملة او المهجورة في سورية والأردن وأرمينيا، لكني حتى الآن لا أعرف السبب الذي يدفعني لتصوير هذه المباني وتحويلها الى مشروعي الفوتوغراف. هو هاجس إذا توصلت الى اجابة عنه سأتوقف حتماً عن المضي به وأنتقل الى موضوع آخر». ويبرر تصويره للمباني المهجورة والفارغة بأنه يبحث عن الفضاء والفراغ من الناس والقوانين وضجيج الحياة، «أحاول أن أسلط الضوء على المعايير الخاصة بي من خلال ازدواجية الهوية للوطن الأم ارمينيا والوطن سورية، فالبلدان أوضاعهما سيئة».