أطلق زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مواقف مهمة أمس ستكون لها تداعياتها على المشهد السياسي الداخلي في الأشهر المقبلة، فأكد أن «تيار المستقبل» كما يرفض أن يكون «على صورة حزب الله فإننا نرفض أن يكون على صورة داعش أو النصرة»، كما «نرفض أي دعوة لإقحام التيار والسنّة في لبنان بالحرب الدائرة بين حزب الله والقاعدة»، واعتبر ان «هؤلاء جميعاً يمثلون مفاهيم مدمرة وأدوات لاستنزاف الدولة ومشاريع لحروب لا تنتهي بين المسلمين، ونحن مع الأكثرية الساحقة من أهل السنّة في لبنان سنواجه هذه المشاريع». وسبق كلام الحريري في الذكرى التاسعة لاغتيال والده في 14 شباط 2005، استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود له، صباح أمس. وإذ شبّه الحريري، في كلمة شاملة له عن الوضع اللبناني المتأزم، «حزبَ الله» ب «داعش» و «النصرة»، فإنه في المقابل أكد أن «أي كلام عن عزل الطائفة الشيعية هو كلام باطل هدفه اختزال الطائفة بالحزب والسلاح». وتحوّل مهرجان خطابي أقيم في مجمع «بيال» بوسط بيروت في الذكرى، الى فعالية «للاعتدال والعدالة» خاطب فيها الحريري جمهور «المستقبل» بصراحة في ظل الاحتقان المذهبي، مؤكداً «اننا سنتصدى للتحريض والدعوات المشبوهة لزج اللبنانيين، والطائفة السنية خصوصاً، في حروب مجنونة لا وظيفة لها سوى استدراج لبنان الى محرقة مذهبية». كما خاطب «الحكماء في الطائفة الشيعية وأبناء الإمام موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله ومقلّديهم... وأصحاب الرأي». وخص رئيس البرلمان نبيه بري «بصفته قيادياً له باع طويل في انتاج المخارج وترميم الجسور»، طارحاً موضوع «مشاركة آلاف المقاتلين من حزب الله في الحرب في سورية»، مشيراً الى «العشرات ممن يلتحقون عبر الحدود بتنظيم القاعدة وغيره»، والى موجة غير مسبوقة من الانتحاريين تتسلّل الى مناطق تواجد حزب الله»، محذراً من مخاطر «الأبعاد المذهبية المتنامية لانخراط اللبنانيين في هذه الحرب والاستنزاف الكبير للجيش وسائر القوى الأمنية. وتوجه الى بري قائلاً: «تستحيل مكافحة الإرهاب من خلال تفرد حزب بإعلان الحرب، ومواجهة الإرهاب تحتاج الى تكاتف وطني يعيد الاعتبار لإعلان بعبدا وجيش قادر على حماية الحدود وإحكام السيطرة على المنافذ والمعابر ذهاباً وإياباً وتتطلب قراراً سريعاً من حزب الله بالخروج من سورية والتخلي عن وهم الحرب الاستباقية واعادة النظر في قرارات لم تجلب للبنان سوى القتل والدمار... فهل هناك من يسمع ويتعظ ويتواضع ويبادر؟». وإذ اكتفى الحريري بالإشارة الى الحكومة بأقل من سطر قائلاً: «أردنا الحكومة خطوة على طريق الاستحقاق الرئاسي»، خاطب الجمهور المسيحي مجدِّداً رفضه «الفراغ في رئاسة الجمهورية»، معتبراً الرئيس المسيحي الماروني الوحيد من سواحل الهند الى شواطئ المغرب رمزاً للعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين»، وقال: «اننا في تيار المستقبل لن نقبل إلا برئيس يمثل الإرادة الوطنية للمسيحيين ويرفض كل وصاية إلاّ وصاية الدستور». وإذ كرر الرهان على صوت العقل والحوار الذي يجدي في التوصل الى خرق جدار العناد السياسي، استذكر شهداء ثورة الأرز وبعض من اغتيلوا قبلهم على مر السنين، كرر القول إن «لاهاي حرّكت فينا أوجاع كل الاغتيالات من رياض الصلح الى محمد شطح لكنها لم تحرك فينا أي شعور أو رغبة بالثأر والانتقام». وكان أُعلن في افتتاح المهرجان الخطابي الذي تحدث فيه وزير العدل السابق شارل رزق، وأذيعت خلاله كلمة للسيدة نازك الحريري، عن أن نواب 14 آذار وقعوا عريضة سترفع الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تطالب بتوسيع صلاحيات المحكمة الخاصة بلبنان، «لضم ملفات الشهداء الذين سقطوا الى جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بدءاً بالنائب والصحافي جبران تويني انتهاء باغتيال الوزير السابق محمد شطح. وفيما كان الحريري يتحدث من الرياض عبر شاشة عملاقة الى قيادات قوى 14 آذار وقيادات أخرى مدعوة (مثل نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دريد ياغي) والسلك الديبلوماسي وكوادر «المستقبل»، عصر أمس، كان النهار يقفل على تراجع الآمال التي عُلّقت على ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، بعد أن أقفل ليل أول من أمس على اتفاق على إعلانها صباحا. وبينما كان الرئيس سلام يهم في التاسعة صباحاً بالانتقال الى القصر الرئاسي من أجل عرض التشكيلة الحكومية الجديدة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان لإصدار مرسوم تأليفها بتوقيعهما، تلقى اتصالاً من المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل باعتراض الحزب على إسناد وزارة الداخلية الى المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ممثلاً لتيار «المستقبل»، معتبراً أنه «استفزازي وغير قادر على التواصل مع كل الفرقاء السياسيين». وقالت وسائل اعلام الحزب إن قوى «8 آذار» والرئيس بري تضامنت معه في وجهة النظر هذه، ما أدى الى تجميد إعلان الحكومة، لأن الحزب هدد بالانسحاب منها في حال تعيين ريفي، ما أثار حفيظة «المستقبل» الذي سألت مصادره: «هل أن الوزراء الذين سماهم الحزب وحركة «أمل» غير استفزازيين». وإذ أحبط هذا الموقف الجهود التي تكثفت في اليومين الماضيين وأفضت عبر اتصالات مباشرة بين قيادتي «التيار الوطني الحر» و «المستقبل» الى حل لاعتراضات العماد ميشال عون على المداورة في الحقائب الوزارية، فإن مصادر في قوى «14 آذار» أبلغت «الحياة» أن «المستقبل» طرح بديلاً لريفي هو النائب جمال الجراح للداخلية، لكن الحزب رفض ذلك أيضاً، معتبراً أنه «استفزازي»، وثمة من يقول إن «المستقبل» طرح النائب سمير الجسر لكن الحزب بقي على اعتراضه. إلاّ أن مصادر «المستقبل» أكدت استمرارها في الإصرار على ريفي، بينما أجّل الرئيس بري سفره الى الكويت الى اليوم لعلّ الجهود تفلح في ايجاد مخارج لإعلان الحكومة اليوم لأن تأخيرها يفرض انتظار عودته بعد أسبوع». وتكثفت الاتصالات لهذا الغرض، وسط خشية من أن يكون هدف العراقيل الجديدة الحؤول دون تشكيل الحكومة مهما كانت الحلول، خصوصاً أن مصادر «المستقبل» أفادت بأن الحزب وبري والرئيسين سليمان وسلام ورئيس جبهة النضال الوطني النيابية وليد جنبلاط كانوا جميعاً على علم منذ ليل أول من أمس بأن التشكيلة تتضمن اسم اللواء ريفي للداخلية. وجرت اتصالات بين رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وسلام، وزار وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور الرئيس المكلف، وكذلك زاره مدير مكتب الحريري، نادر الحريري للبحث في الخطوات اللاحقة.