بيتسبرغ (الولاياتالمتحدة) – خدمة «نيويورك تايمز» - مساء الثلثاء الماضي في نيويورك، ابلغ مسؤولون بارزون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية اثنين من ابرز مستشاري الرئيس الاميركي باراك أوباما، ان ايران بعثت برسالة مبهمة تصف فيها منشأة نووية «تجريبية» صغيرة لم يسبق الإعلان عنها. فوجئ الأميركيون بالرسالة، ولكنهم كانوا غاضبين مما لم يقولوه، اذ كانوا على علم منذ سنين بالمجمع المبني في نفق سري، وان الوضع أكثر خطورة مما يوحي به الإيرانيون. في غرفة في فندق «والدورف استوريا» في نيويورك، ناقش في تلك الليلة خمسة من أقرب مستشاري اوباما للأمن القومي حتى ساعات الصباح الأولى، التوصية التي سيعرضونها عليه حين يبلغونه بالنبأ عند الصباح. وبعد ساعات، التقوا اوباما ومستشاره للأمن القومي الجنرال جيمس جونز، في غرفة اخرى بالفندق. قرر البيت الابيض أساساً الالتفاف على الايرانيين، ليقدم لحلفائه وللرأي العام ما كان يعتقد انه دليل راسخ على وجود أكثر من برنامج نووي تجريبي. ورأى البيت الابيض في ذلك فرصة لاستخدام هذا الدليل لإقناع دول أخرى بدعم فرض عقوبات أكثر صرامة على طهران، من خلال إظهار ان الايرانيين لا يزالون يعملون على خطة نووية سرية. كانت ثلاثة أيام مثيرة من الديبلوماسية الحساسة جداً والمناورة السياسية، من غرفة في فندق «والدورف استوريا» حيث سعى أوباما للحصول على دعم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، إلى قاعة مجلس الأمن التي أخرج منها جونز في لحظة معينة نظيريه الروسي والصيني، وسط اجتماع نادر لقادة المجلس. وقال جونز لنظيره الروسي سيرغي بريخودكو ان الولاياتالمتحدة ستُعلن المعلومات الاستخباراتية التي تمتلكها في هذا الشأن، فيما ناقش مسؤولون اميركيون واوروبيون في أروقة الاممالمتحدة وعبر الهاتف، موعد وكيفية عرض قضيتهم ضد ايران على العالم. وحض مسؤولون أوروبيون على السرعة، معتبرين ان على اوباما أن يتهم ايران بتطوير المنشأة النووية السرية، صباح الخميس الماضي خلال ترؤسه للمرة الأولى جلسة مجلس الأمن التي أقرت مشروعاً اميركياً لاخلاء العالم من السلاح النووي. كان الامر ليكون لحظة مواجهة دراماتيكية، لكن مسؤولي البيت الابيض عارضوا ذلك معتبرين انه مبكر جداً، اذ لن يكون لديهم وقتاً كافياً لابلاغ حلفائهم والوكالة الذرية، كما ان أوباما لم يُرِد اضعاف قرار منع الانتشار النووي الذي كان يسعى الى إقراره في المجلس، عبر تحويل الانتباه إلى إيران. في نهاية الامر، اعلن أوباما ذلك برفقة نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في مركز المؤتمرات في بيتسبرغ صباح الجمعة الماضي. وقال مسؤولون في الادارة الاميركية ان اوباما سعى الى تحقيق هدفين في توجهه إلى الرأي العام: مواجهة ايران في شكل مباشر مع ابراز أدلة، وإقناع الدول المترددة باتخاذ موقف متشدد حيال ايران. وقال مسؤولون استخباراتيون بارزون ان وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي أي) اكتشفت الموقع الايراني قبل سنين خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش، والذي يقع في نفق عميق بجبل فوق قاعدة ل «الحرس الثوري» قرب مدينة قم. أُبلغ اوباما للمرة الاولى بوجود المنشأة، خلال الفترة الانتقالية بعد انتخابه أواخر عام 2008، ولكن الاستخبارات الاميركية رصدت في وقت سابق هذا العام، حركة نقل لمعدات حساسة الى المنشأة، في مؤشر الى ان العمل أياً كان، اقترب من مراحله النهائية. وقال مسؤول بارز في الادارة إن أوباما تلقى تقارير استخباراتية في شكل منتظم، حول التقدم في الموقع. ورسم الأميركيون صورة مفصلة عن العمل في المنشأة، من مصادر استخباراتية عدة وصور الأقمار الاصطناعية. وأشار مسؤول بارز الى ان الاستخبارات الأميركية والبريطانية والفرنسية تشاركت المعلومات حول المنشأة، كما أُبلغت إسرائيل بذلك قبل سنين. فيما كانت إدارة اوباما تراجع سياستها حيال ايران في نيسان (ابريل) الماضي، ابلغ أوباما مساعديه انه اذا اجرت الولاياتالمتحدة مفاوضات مع ايران، فهو يريد التأكد من ان «كل الحقائق مطروحة على الطاولة، بما في ذلك معلومات عن هذا الموقع، بحيث تكون المفاوضات مجدية وشفافة»، كما قال مسؤول بارز في الإدارة. أواخر تموز (يوليو) الماضي، وبعدما هدأت الاضطرابات التي اعقبت الانتخابات الرئاسية في ايران، ابلغ اوباما فريقه للامن القومي بأن يعمل مسؤولون استخباراتيون اميركيون سراً مع نظرائهم البريطانيين والفرنسيين، لوضع عرض مفصل حول المنشأة، يُقدم في حالات الطوارئ، مثل «رفض ايران التفاوض، او تسرّب معلومات، او كشف ايران أمر المنشأة»، كما قال مسؤول في الادارة. طلب أوباما من معاونيه ان يكون العرض جاهزاً قبل الجمعية العامة للامم المتحدة. ولم يكن المسؤولون الأميركيون حسموا امرهم حول موعد كشف المعلومات الاستخباراتية حول المنشأة، لكن الخطة تغيرت الثلثاء، عندما أبلغت الوكالة الذرية واشنطن بالرسالة التي بعثتها ايران حول الموقع. في اجتماع في فندق «والدورف استوريا» صباح الاربعاء، قرر أوباما ابلاغ ميدفيديف شخصياً خلال لقائهما المقرر في اليوم ذاته، كما تحدث مع ساركوزي وبراون. وفي الوقت ذاته، أبلغ جيف بادر وهو مستشار بارز في البيت الابيض، نظراءه الصينيين.