وجّه غزو الإنترنت للمنازل والمؤسسات والهواتف النقالة في الأردن ضربه قاصمة للراديو الذي ترنّح منذ اختراع التلفاز، الذي تطوّر في شكل مذهل خلال السنوات الأخيرة بفضل تعدد القنوات الفضائية، التي أضحى عددها بالمئات ويستمر بثها على مدار الساعة. فلم تعد البيوت تفرد مساحة من صالاتها لحيز جهاز الراديو الذي اختفى لمصلحة شاشات العرض الكبيرة، التي أخذ الاردنيون يتباهون بكبر حجمها ونوعها وإن كانت ثلاثية الأبعاد (3D) أم لا. غير أن الراديو بقي يتسيد الواجهة الأمامية للسيارات والحافلات منفرداً من دون منافس، فيما يتربع مذيعوه على عرش قائمة المشاهير لدى ركابها، خصوصاً سائقي التاكسي وحافلات «السرفيس» الذين لا يجدون غيرهم رفيقاً لهم في الدرب الطويلة والشاقة، ويعرفونهم من أصواتهم ويميزونها من دون أن يروهم. ويتحيّن أشهر المذيعين لتوقيت برامجهم مع خروج الموظفين من أعمالهم وطلاب المدارس من بيوتهم لإيجاد مستمعين من خارج فئة سائقي التاكسي، وتحقيق مشاركة عالية تشجّع اصحاب الاستثمارات الكبيرة على الإعلان في برامجهم. وغالبية البرامج التي تحظى بشعبية كبيرة وتستقطب جمهوراً هي تلك التي تعتمد البث المباشر لإتاحة الفرصة أمام المستمعين للتفاعل مع القضايا التي تطرحها، والتي كثيراً ما تناقش شكاويهم وهمومهم اليومية، فيما تحظى برامج الفلك وتوقعات المستقبل بالدرجة الثانية من الاهتمام. في حين لا تحفل الإذاعات المحلية الخاصة بالنشرات الإخبارية والبرامج السياسية إلا قليلاً، لمعرفة القائمين عليها برغبة المواطن الابتعاد عن سيرة الهزائم العربية أو جوقات التطبيل والتزمير التي يمكن أن تجبر عليها اذا تحدثت في السياسة، ويمقتها المواطن نظراً لأن الوسائل الإعلامية الرسمية تزخر بها على مدار الساعة. وتلجأ البرامج المهمة في الإذاعات إلى الحصول على الرعاية من مؤسسات كبرى لتمويل نفسها، في مقابل ذكر اسم هذه المؤسسات خلال البرامج كلما كان ذلك ممكناً. وفيما يرى سائق التاكسي محمد مصباح أن الراديو لا يزال وسيلته الأولى لمعرفة ما يدور في الوطن والعالم، باعتبار أنه الوحيد الممكن في مهنة كالتي يزاولها بسبب توافرها وبساطة استخدامها، يؤكد سائق آخر هو سامح جراده أنه لا يستطيع مفارقة سيارته طويلاً، لأنه يخسر سماع برامج يتابعها يومياً عبر الراديو ولا يجد مثيلاً لها على الفضائيات. ويشير جراده إلى أنه يلجأ إلى الإنترنت أحياناً لسماع ما قد يفوته من برامج بسبب انشغاله في ظروف خارجة عن إرادته، موضحاً أن الراديو يتيح له أحياناً اختيار أغانٍ يرغب في سماعها بسبب مشاركته في برامج خاصة بما يطلبه المستمعون، من دون أن يضطر الى تخزين «كاسيتات» في سيارته أو منزله. في المقابل، يؤكد الطالب الجامعي إسلام الحسن أنه لا يعرف الراديو إلا عندما يستقل الحافلة التي توصله إلى الجامعة، مشيراً إلى أن ذلك لا يستغرق أكثر من دقائق. ويوضح أنه يمقت الراديو لأنه لا يمكّنه من اختيار ما يريد من برامج أو أغانٍ، بعكس جهاز «لاب توب» خاصته الذي لا ينفك عن حمله إينما ذهب، مشيراً إلى أنه يغنيه عن متابعة أي وسيلة إعلامية أخرى، فهو على مزاجه وغير مجبر على مشاهدة ما يعرضه له الآخرون. ويضيف أنه بمجرد دخوله البيت يمكث في غرفته ولا يتابع ما يشاهده والده ووالدته، فهو يشاهد في يومين المسلسلات التي يتابعها الآخرون خلال شهر، لأنه يكره التشويق الزائد عن اللزوم. وزاد الحسن أنه نادراً ما يستمع إلى الراديو في البيت، خصوصاً أن الجهاز في منزل والده قديم، يشوب موجات المحطات التي يلتقطها تشويش لا يمكّنه من الاستماع بوضوح. ويستخدمه والده الذي تجاوز ال70 من عمره مدة 5 دقائق كل يوم لسماع برنامج تقدمه الإذاعة الأردنية يورد أسماء المتوفين. ويؤكد الموظف العشريني أحمد الكردي أنه لا يستمع إلى الراديو إلا نادراً، نظراً لغياب هذا الجهاز عن ذهنه كوسيلة إعلامية أو ترفيهية، مشيراً إلى أنه يضع ال «سي دي» في مسجّل السيارة عندما يشتريه، ويستمع إلى مضمونه كلّما استقل السيارة، لا سيما أن البرامج السياسية والإخبارية لا تستهويه، مؤكداً أنه في حال رغب بسماع الأخبار يفضّل أن يشاهدها عبر الفضائيات.