يستعد البرلمان الفرنسي أسوة بنظيريه الإسباني والبريطاني، للتصويت اليوم الثلثاء على مشروع قرار غير ملزم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في وقت تبذل فيه الديبلوماسية الفرنسية جهوداً "أخيرة" لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلى رغم رمزيّة الخطوة إلاّ أنها تعكس نفاد الصبر الأوروبي إزاء عملية السلام المتوقفة، إذ تشعر معظم الدول الأوروبية بخيبة أمل متزايدة تجاه إسرائيل التي تواصل بناء المستوطنات على الأراضي التي يريدها الفلسطينيون لقيام دولتهم منذ انهيار آخر جولة من المحادثات التي ترعاها الولاياتالمتحدة في نيسان (أبريل). وطرح مشروع القرار نواب من الحزب الاشتراكي الحاكم الذي يشكّل نوّابه أكبر كتلة في البرلمان، يدعمهم الحزب الشيوعي وحزب الخضر وبعض المحافظين. ويدعو القرار وفق نصّه إلى "الاعتراف بدولة فلسطين بغية التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع" ويطالب الحكومةب "استخدام الاعتراف بدولة فلسطينية بهدف حل الصراع في شكل نهائي". ويتوقع أن يتم إقراره بغالبية واسعة رغم معارضة اليمين. اعتراف إسباني بريطاني وكان مجلس العموم البريطاني صوّت في 13 تشرين الأول (أكتوبر) بغالبية ساحقة لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين والانسحاب الإسرائيلي التام منها وفق جدول زمني محدد. ووافق 274 عضواً على القرار فيما اعترض عليه 12 عضواً فقط، وأبدى المعارضون خشيتهم من أن يكون الاعتراف بدولة فلسطين اعترافاً بحركة "حماس"، فيما رأى الرأي المؤيد في المجلس أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيعزز من التيار المعتدل، ويدعم التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وحذا مجلس النواب الإسباني حذو نظيره البريطاني وأقر في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بغالبية ساحقة مذكرة غير ملزمة تدعو الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين. وتنصّ المذكرة التي قدمتها المعارضة الاشتراكية وخضعت لمفاوضات بين مختلف الأحزاب، على أن يكون الاعتراف "نتيجة مفاوضات بين الأطراف"، داعية الحكومة الإسبانية إلى العمل "بطريقة منسقة" مع الاتحاد الاوروبي من أجل "تعميم هذا الاعتراف داخل الاتحاد الأوروبي في إطار حل نهائي وشامل (...) يرتكز على قيام دولتين". وطالبت المذكرة الحكومة باستخدام المقعد غير الدائم الذي تشغله إسبانيا حالياً في مجلس الأمن الدولي للعمل على التوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع في الشرق الأوسط. غضب إسرائيلي وترى الدولة العبرية أن الاعتراف بدولة فلسطين قبل تسوية النزاع سيكون "قراراً أحادياً" لا يمكن سوى ان يدفع الوضع الى التفاقم. وعلى غرار معارضتها اعتراف البرلمانين الإسباني والبريطاني بالدولة الفلسطينية، عارضت إسرائيل التصويت الفرنسي وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اليوم الأحد إن "فرنسا سترتكب خطأ فادحاً في حال اعترفت بدولة فلسطين". وكانت إسرائيل نددت بقرار السويد، الدولة ال 135 التي اعترفت رسمياً بدولة فلسطين، واستدعت سفيرها في استوكهولم للتشاور واعتبرت أن قرار الاعتراف "لا طائل منه ولا يساهم في إمكان العودة إلى المفاوضات". والسويد أصبحت في 30 تشرين الأول (أكتوبر) أوّل بلد غربي عضو في الاتحاد الأوروبي يتخذ قراراً من هذا النوع، بعد أن اعترفت حكومتها في مرسوم بدولة فلسطين. فرنسا تسعى إلى إحياء المفاوضات وعلى رغم عدم إلزامية القرار الحكومة الفرنسية إلاّ أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قال للبرلمان إن الوضع الراهن غير مقبول وإن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية من دون تسوية من طريق التفاوض إذا فشلت الجولة الأخيرة من المحادثات. وقال فابيوس الجمعة الماضي إنه "إذا فشل هذا المسعى الأخير في التوصل إلى حل من طريق التفاوض فسيكون لزاماً على فرنسا أن تقوم بما يلزم للاعتراف من دون تأخير بالدولة الفلسطينية". وأمس الإثنين أعلن ممثل فلسطين في الأممالمتحدة رياض منصور أن فرنسا بادرت إلى مشروع قرار لإحياء مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي، وسيحال على مجلس الأمن الدولي قبل منتصف هذا الشهر. وأوضح منصور ل "فرانس برس" أن المشروع سيحدد مهلة لمفاوضات حول اتفاق سلام نهائي مع إمكان تحديد مهلة ثانية لقيام دولة فلسطينية. وقال إن "الفرنسيين يبذلون مزيداً من الجهود، ويحاولون جمع كل الزملاء الأوروبيين وأعتقد أنهم سينجحون في النهاية". ومبادرة باريس هذه ستناقش الثلثاء في بروكسل، علماً أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيجري مشاورات مع وزراء أوروبيين خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي. ويحظى الاعتراف بفلسطين بتأييد شعبي في فرنسا، حيث أظهر استطلاع رأي أجري في الآونة الأخيرة أن ما يربو على 60 في المئة من الفرنسيين يدعمون إقامة الدولة الفلسطينية. وإن كانت مبادرة النواب الفرنسيين لا تلزم الحكومة في أي من الأحوال إلاّ أنها تندرج في سياق توجه أشمل في أوروبا يعتبر الاعتراف وسيلة ضغط من أجل تحريك عملية السلام المتعثرة وإنقاذ الحل القائم على دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنباً إلى جنب.