دخلت قضية تشكيل الحكومة اللبنانية في مرحلة حاسمة باتت تحسب بأيام، إذ لم يعد من مجال للتريث أو الانتظار بذريعة أن مشاورات اللحظة الأخيرة، تفلح في إقناع قوى «8 آذار» ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون بوجوب مراجعة مواقفهم لمصلحة الاشتراك في الحكومة الجامعة، مع أن المصادر المواكبة للاتصالات ترجح خروج وزرائهم منها، إلا إذا قرروا الاعتكاف كخطوة أولى تقودهم إلى الاستقالة من دون أن يعني امتناع بعضهم عن تصريف الأعمال في وزارات رئيسة أبرزها الخارجية والمال والتربية والأشغال العامة طالما أن لا عجلة في الإعداد للبيان الوزاري. وتؤكد المصادر نفسها أنه لم يعد أمام الرئيس المكلف تمام سلام ورئيس الجمهورية ميشال سليمان المزيد من الوقت الذي يسمح لهما بتمديد المشاورات، خوفاً من جولة جديدة من المراوحة إلى حين اقتراب لبنان من مهلة الشهرين بدءاً من 25 آذار (مارس) المقبل لانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي الذي تنتهي ولايته في 25 أيار (مايو) المقبل. وتعتقد المصادر عينها أن تبديد المخاوف من عدم تشكيل الحكومة، يستدعي الإسراع في عملية التأليف قبل أن يدخل لبنان في صلب معركة انتخابات الرئاسة الأولى، لأن هناك من سيدعو في حينها إلى صرف النظر عن تشكيلها وأن الأولوية يجب أن تعطى لانتخاب رئيس جمهورية جديد، وأن انتخابه سيفتح الباب أمام التغلب على جميع المشكلات وأولها الفراغ الحكومي. وترى هذه المصادر وهي متعددة الانتماءات السياسية، أن تأخير تشكيل الحكومة يكمن في أن الظروف التي كانت وراء تكليف سلام أخذت تتراجع وتقول إن العوامل الإقليمية أخذت تتبدل، وإن ما كان ممكناً فور تكليفه لم يعد جائزاً، لا سيما بعد تعذر دعوة إيران إلى حضور مؤتمر «جنيف - 2» المخصص للبحث عن حل سياسي يوقف الصراع العسكري الدائر في سورية. وتضيف أن مشكلة عدم قيام حكومة جامعة وإن كانت تُرمى على عاتق عون، فإن أسبابها تكمن في حصول تبدل في موقف إيران احتجاجاً على عدم دعوتها إلى حضور مؤتمر «جنيف - 2» وإن هناك من يستغل إصراره على أن يتمثل بحقيبة سيادية وحقيبتي الطاقة والاتصالات في محاولة لتسليط الضوء عليه وتقديمه وكأنه العائق الوحيد في وجه ولادة الحكومة. وتعتبر هذه المصادر أن إيران أكدت دعمها اللفظي لتشكيل حكومة جامعة، لأنها كانت تراهن على دعوتها إلى حضور «جنيف - 2»، وبالتالي تحتاج إلى انتزع ورقة حسن سلوك من المجتمع الدولي، وأن الساحة اللبنانية وحدها توفر لها هذه الورقة، وتقول: «لكن إيران أعادت النظر في موقفها وهي تتصرف الآن على أنها رابحة ولو بالنقاط في سورية ولبنان والمنطقة ولن تقدم تسهيلات مجانية». وتتابع: «أن إيران ليست في وارد التفريط بورقتها في لبنان وتلتقي مع النظام السوري الذي لا يزال يراهن على استعادة دوره في إطباق الحصار على المعارضة في الداخل، وصولاً إلى ربط المصير اللبناني بالوضع في سورية، ظناً منه بأنه سيدفع بالمجتمع الدولي الذي يهمه الحفاظ على وحدة لبنان وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها إلى فتح قنوات للاتصال به باعتباره الأقدر، من وجهة نظره على المساعدة». وتنقل المصادر عن قيادي بارز لا ينتمي الى قوى «14 آذار» قوله أمام زواره إنه لا يعتقد أن هناك مشكلة مستعصية اسمها عون وأن «حزب الله» هو الأقدر على «تنعيم» موقف حليفه لتسهيل ولادة الحكومة فيما تنقل عن قيادي في «8 آذار» ما يتعارض مع موقف القيادي الآخر. ويؤكد القيادي في «8 آذار» أن التحالف الشيعي من حركة «أمل» و «حزب الله» يسعى إلى تشكيل الحكومة، لأنه ضد إحداث فراغ على صعيد رئاسة الجمهورية يمكن أن يتسبب في انكشاف البلد أمنياً وسياسياً أكثر مما هو مكشوف الآن. الامتعاض من عون والتضامن معه لكن، يبقى السؤال أين يصرف إصرار «أمل» و «حزب الله» على تشكيل الحكومة، وهل يعقل ألا يؤثر الأخير في حليفه عون أم إنه أصبح أسير طروحاته نظراً إلى ما سلّفه من مواقف في أشد لحظات الهجوم عليه؟ وهل إيران باقية على موقفها بدعم الجهود الرامية لتشكيل الحكومة من دون أن تتدخل في التفاصيل ومدى صحة ما يشاع عن أن المراوحة التي تشهدها عملية التأليف استدعت تزخيم الاتصالات غير المرئية بين قيادات «8 آذار» والقيادة الإيرانية؟ أما القول إن المشكلة أولاً وأخيراً تتمثل بعون، فإن المصادر المواكبة تسأل لماذا انبرت قيادة «حزب الله» وتعهدت بإقناع عون للموافقة على ورقة التفاهم الحكومية التي كان لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الفضل الأول في إنتاجها لتسريع ولادة الحكومة؟ أولَم تكن على علم مسبق بأنه يرفض تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الوزارية؟ وتسأل المصادر: ما الفائدة من لجوء قيادات في «8 آذار» إلى الامتعاض من تشدد عون وأين يصرف هذا الامتعاض طالما أنها تعتبر أن خروجه من الحكومة يشكل خرقاً للميثاقية مع أن الحصة التي أعطيت له في التركيبة الوزارية أكثر من وازنة؟ وتضيف: «بدلاً من أن تواجه «8 آذار» حليفها عون بسلاح الموقف سارعت، إلى التضامن معه وانقلبت على التفاهم الذي وضعه بري كإطار عام لتأليف الحكومة، وبالتالي أين تصرف إشادتها بالمواقف التي أعلنها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري من أمام قاعة المحكمة الدولية في لاهاي وفيها أنه سيشارك مع «حزب الله» في حكومة واحدة إنقاذاً لمشروع الدولة ومنع لبنان من الانزلاق إلى المجهول؟». وتقول إن قيادات «8 آذار» أجمعت على القول إن الحريري يتصرف كرجل دولة، لكنها رفضت أن تلاقيه في منتصف الطريق متذرعة بذرائع لا تنسجم مع إشاداتها بمواقفه. وتؤكد أن مواقف الحريري من المشاركة في حكومة واحدة لم تكن شعبوية من وجهة نظر محازبيه وحتى بعض القيادات في «المستقبل»، ولاقت ردود فعل متباينة لكنه لم يتردد، ليس لأنه لا يريد سماع الرأي الآخر في «التيار»، وإنما لاعتقاده بأنه لا بد من إحداث خرق ولو على حسابه لإنقاذ البلد وتفويت الفرصة على من يجره إلى المجهول. وتسأل المصادر لماذا عادت معظم قيادات «8 آذار» تتصرف وكأن الحريري لم يفتح الباب أمام البحث عن حلول لإنقاذ البلد وهل كانت تراهن على أنه لن يقدم على اتخاذ المواقف لتسهيل ولادة الحكومة؟ وإذ تتجنب المصادر الخوض في تفاصيل الاتصال الهاتفي الذي جرى بين رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط والحريري فإنها تكتفي بما ينقل عن الأول من أن الأخير أبدى كل استعداد لإخراج عملية تأليف الحكومة من المراوحة وقدم التسهيلات المطلوبة التي من شأنها أن تسقط الذرائع التي يمكن أن يستقوي بها هذا أو ذاك، من أنه يصر على أن يتمثل «المستقبل» بوزراء يشكلون تحدياً أو استفزازاً لفريق «8 آذار». ويؤكد جنبلاط - كما ينقل عنه - ارتياحه، لموقف الحريري لأنه استجاب لكل الملاحظات وأسقط الذرائع ويقول إنه سيشارك في الحكومة ولن يسحب ممثليه منها، وإن على الفريق الآخر أن يقدر موقفه وأن لا يقدم على سحب وزرائه. وتعتقد المصادر المواكبة أن الحريري وافق على صرف النظر عن إسناد الداخلية إلى المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء الركن أشرف ريفي، على رغم أنه يعتبره أكثر من كفوء لهذه الحقيبة ومن حق «المستقبل» أن يختار من يمثله وأن لا يتدخل أي فريق من خارج «التيار» في اختيار وزرائه، لأنه لا يتدخل في اختيار الوزراء الآخرين. وتقول إن الحريري وإن كان واثقاً من قدرات ريفي، فإنه ارتأى أن يسقط الحجج من يد الآخرين وأن يختبر مدى استعدادهم للمشاركة في الحكومة من جهة، وأن يضع المعنيين بتأليفها أمام مسؤولياتهم، وتؤكد أن قوى «14 آذار» مجتمعة - ما عدا حزب «القوات اللبنانية» الذي يرفض المشاركة، وافقت على أن تعطى حقيبة الدفاع الوطني لوزير يسميه سليمان، وبالتالي تحتفظ لنفسها بحقيبة سيادية في مقابل حقيبتين لقوى «8 آذار». لذلك، فإن الأنظار متجهة إلى بعبدا لعل اللقاء المرتقب في أي لحظة بين سليمان وسلام يكون الأخير استعداداً لصدور مراسيم تشكيل الحكومة التي سيستقيل منها وزراء 8 آذار «وتكتل التغيير»، مع أن لا عجلة في إعداد البيان الوزاري ويتردد منذ الآن أن الحكومة لن تتقدم به حتى لو انقضت مهلة الشهر المخصصة لإنجازه، وبعدها تصبح حكماً مستقيلة وتتولى تصريف الأعمال.