تقترب مصر من خطوة جديدة من خطوات خريطة الطريق، ويقترب معها أطفالها من مرحلة جديدة من الخطر. أطفال مصر منقسمون هذه الأيام إلى ثلاثة مواطن خطر: الأول موطن خطر الأهل من أنصار الإخوان والإسلام السياسي، والثاني موطن خطر الأهل من أعداء الإخوان وكارهيهم ومعهم الملايين غير المسيّسة والراغبة بمقدار من الاستقرار، والثالث موطن خطر الشارع حيث أطفال الشوارع وغيرهم ممن يجدون في هذه الأمكنة ملاذاً وملعباً، سواء بعض الوقت أو كله. وكلما تعمّق الاستقطاب وزاد الانقسام، وجد الأطفال أنفسهم في بؤرة الخطر أكثر فأكثر. السيدة المنقّبة التي اصطحبت أطفالها في مسيرة إخوانية لدعم شرعية محمد مرسي والدعاء على السيسي وبقية المصريين، قالت غاضبة متحدّية، عقب تعرّضها وصغارها لاستنشاق قنابل الغاز التي أطلقها رجال الأمن بعدما لامها أهالٍ على اصطحاب الصغار: «يجب أن يعرفوا دينهم ويدافعوا عنه. حتى لو ماتوا فإنهم سيكونون شهداء كلمة الحق». الصغار الذين ظلوا يرفعون علامة «رابعة» بينما يسعلون ويدمعون تحت وطأة الغاز لم يموتوا هذه المرة، لكنهم مرشحون لذلك في مرات مقبلة، وإن كانت كلمة الحق التي يصطحبونها معهم إلى الآخرة محل تشكك، شأنها شأن أهلية الأم وقدرتها على تربيتهم وتوفير الجو الآمن لهم بعيداً من أماكن الخطر. أماكن الخطر التي يتعرّض لها الأطفال في شكل متزايد في مصر هذه الأيام ليست على جبهة الإخوان وحلفاء الحكم الديني فقط، بل هي على الجبهة المقابلة كذلك. فاحتفال قطاعات عريضة من المصريين بالذكرى الثالثة لثورة يناير في ميادين عدة حوى أعداداً هائلة من الأطفال الذين اصطحبتهم أسرهم معها لأسباب مختلفة تتراوح بين الرغبة في أن ينشأ الصغار على حب الوطن، أو الميل إلى أن تكون المناسبة احتفالاً مصرياً أسرياً بإسقاط الإخوان وتحدّي رسائلهم التحذيرية من التواجد في الشوارع، حيث إن الجماعات الجهادية والتكفيرية المتحالفة معهم تقوم بعمليات انتحارية بغية إعادة شرعية الدكتور محمد مرسي، أو مجرّد اعتقاد كثيرين بأنها مناسبة مواتية للخروج مع الأطفال في عطلة منتصف العام. لكن هذه العطلة لم تخصص للأطفال بهدف المشاركة في فاعليات سياسية معرّضة لتفجير هنا أو تفخيخ هناك، فإذا كان الأهل قادرين على اتخاذ قرارات المشاركة بدافع الوطنية أو دعم الجيش من عدمها، فإنهم مسؤولون عن أنفسهم، عكس الدفع بمشاركة الأطفال الذين لا يقدّرون حجم الخطورة الكامن في مثل تلك المناسبات، والأجواء شديدة الالتهاب سريعة الاشتعال. اشتعال صفحات التواصل الاجتماعي بأخبار مشاركات الأطفال في فاعليات سياسية شارعية محفوفة بالأخطار، وكأنها مؤشر الى الوطنية ونموذج للتربية، يعكس انعدام رؤية واضحة لحق الطفل في حياة آمنة. صفحات الإخوان وحلفائهم تحمل يومياً أخباراً عن فعاليات ما يسمى ب «حركة أطفال ضد الانقلاب» حيث يأتون بمجموعة من الطفلات لا يزيد عمر أكبرهن عن ثماني سنوات، يلقين بيانات تهديدية للشعب «الانقلابي»، ويتوعدن كل من تسوّل له نفسه دعم الجيش في معركة مصر ضد الإرهاب، والهدف استدرار تعاطف القارئين وتسوّل دعم المطلعين. فمرة تعلن طفلة عن «رفض الانقلاب العسكري الدموي»، ومرة تؤكد «مواصلة الفاعليات حتى دحر الانقلاب وعودة الشرعية»، ومرة تتعهد ب «استمرار التواجد في الميادين الى حين عودة مرسي إلى كرسي الحكم»، ومرة تهتف: «إثبت يا ريس خليك حديد وراك يا ريس جيل جديد». الجديد في الجبهة المقابلة هذه الأيام هو نزول الأطفال مع ذويهم بالآلاف إلى الشوارع في احتفاليات بالثورة، تحولت احتفاءات بوزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي دفعاً له من أجل إعلان ترشحه رئيساً. نزول يراوح بين اصطحاب للصغار رافعين صور السيسي أو ملوّحين بأعلام مصر... ما يعدّ في حد ذاته سبباً للتعرض لهجوم من جانب أنصار الإخوان، أو القيام بنزهة في أماكن الاحتفال وتناول وجبة شعبية والرقص والغناء على أنغام أغنيات وطنية... لا يعرّض الصغار فقط لأخطار الازدحام الشديد، وتفجّر الخلافات، أو اندساس البلطجية، أو اجتذاب غضب أنصار الإخوان، بل يدفعهم إلى مزيد من الاستقطاب. وبعد هذه «الجرعة الحادة»، يعود الجميع إلى المدارس بعد انقضاء إجازة منتصف العام، يسأل كل منهم: «كيف أمضيت إجازة منتصف العام؟» فيرد الأول متفاخراً: «شاركت في مسيرة لعودة الشرعية ونصرة الشريعة ودعوت على الانقلاب والانقلابيين بالهلاك ونصرت ديني»، ويقول الثاني: «ذهبت إلى ميدان التحرير واحتفلت بالقضاء على الناس بتوع الشرعية ودعوت الله أن يتم نعمته علينا ونخلص منهم ومن إرهابهم». ويكتمل سواد الصورة وقتامتها بانضمام المعلم الى واحدة من الجبهتين ضد الجبهة الأخرى، ما يؤدي إلى شعور الصغير المنتمي إلى الجبهة المضادة للمعلم بالخوف أو بالقهر أو بالرفض. رفض المجتمع وأنظمته المتتالية النظر بعين الاعتبار إلى ملايين الأطفال والمراهقين الذي يتخذون من الشارع مأوى أو ملجأ، سواء كانوا أطفال شوارع أو أطفالاً عاديين، لكن لا يحظون بالمقدار الكافي من الاهتمام من ذويهم، ما يدفعهم إلى اللجوء الى الشارع، هم الضلع الثالث المتبقي في ثالوث أطفال مصر المعرضين للخطر السياسي الاستقطابي. فأعداد غير قليلة من أولئك المشاركين في هذه الجبهة ضد تلك لا يحبون الإخوان ولا يكرهونهم، ولا يميلون الى الحكم المدني ولا يعرفونه، لكنهم يشاركون ويجمعون الطوب ويلقون «المولوتوف» ويحرقون على سبيل تحقيق الذات التي دهسها المجتمع، أو يتواجدون على تلك الجبهة فيؤمنون الاحتفالات أو يرهبونها، ويشاركون في الأغنيات أو ينزعون وصلاتها الكهربائية. لكنهم يظلون في دائرة الخطر سواء أكانو معرضين أم محركين لها.