أخذ قرار المصرف المركزي التركي رفع معدلات الفائدة المراقبين على حين غرة. لكن الخطوة هذه كانت السبيل الوحيد الى وقف تراجع قيمة العملة التركية وتقليص آثار هرب رؤوس الأموال الأجنبية. وهذا اجراء يسكّن آلام الأزمة الى موعد الانتخابات، لكنه يساهم في تفاقم الأزمتين السياسية والاقتصادية. نمو الاقتصاد التركي بلغ مبلغاً مذهلاً بين عامي 2010 و2011، واليوم تقدّر توقعات النمو ب 4 في المئة. لكن يرجح ألا تبلغ النسبة هذه في 2014. ووراء ازمة تركيا ضعف معدلات الادخار ونمو القروض السريع وتعاظم الاعتماد على الاستيراد وبلوغ الدَّيْن الخارجي 7 في المئة من الناتج، ثلاثة أرباعه تمولها استثمارات قصيرة الأمد. ولا يسع احتياطي تركيا من العملات الأجنبية ان يمول غير خمس حاجاتها في العام الجاري. ولن يذلل رفع معدلات الفائدة هذه المشكلات من غير تقويض الاقتصاد. مشكلات تركيا اليوم تجمعها بعدد من الدول النامية. فهي لا تغرد خارج سرب الدول الواقعة بين سندان تقييد السياسة المالية الأميركية ومطرقة التباطؤ الاقتصادي الصيني. وفي وقت ترتفع الفوائد في اكبر اقتصادين في العالم، تهجر الاستثمارات الأسواق النامية. وسبقت البرازيل والهند تركيا الى رفع معدلات الفائدة. وصبيحة اليوم التالي على زيادة تركيا اسعار الفائدة، احتذت جنوب افريقيا حذوها. والأرجح ان تلحق بها دول نامية أخرى. وربط الأزمة التركية بسياق عالمي أوسع لا غنى عنه. فشطر راجح من الأسواق النامية يقف على شفير الهاوية اثر مرحلة طويلة من النمو ساهمت في توسيع ركيزة الطبقات الوسطى. واليوم تبرز عثرات قد تحول دون تحريك عجلة النمو من غير الانزلاق إلى اضطرابات. ولا شك في ان بناء المؤسسات التي لا تقصي فئات اجتماعية وسياسية ضروري. وتتوجه انظار المراقبين الى انتخابات هذا العام في تايلاندوتركيا والهند والبرازيل، وإلى اصلاحات القيادة الصينية الجديدة. ولا شك كذلك في ان الأسواق النامية تبدو أقوى مما كانت عليه في التسعينات. فهي في الأثناء حازت احتياطات عملة اجنبية أوسع، وانتهجت ادارة مالية انجع، لكن انفتاحها على الأسواق الدولية شرّع ابوابها على الأزمات العالمية. وزادت حصة هذه الدول في الناتج المحلي العالمي من 40 في المئة عام 1997 الى 55 في المئة. ارتدادات التباطؤ الاقتصادي اليوم تسري في اصقاع العالم. وتحرك عجلة معظم الاقتصادات النامية حركة الطلب في الأسواق الغربية وليس حركة طلب محلية. والاعتماد على رؤوس الأموال لتمويل الإقراض المحلي هو وراء ضعف هذه الأسواق الوثيقة الارتباط بتغيرات الأسواق الخارجية. فدورة القروض في الصينوالبرازيل وغيرهما من الدول بلغت أوجها. وأسعار السلع تهبط. ولا يسع دول اخرى احتذاء النموذج الصيني الذي افلح في امتصاص اليد العاملة الفلاحية في القطاع الصناعي. وعلى نحو ما خلف نمو الصين آثاراً ايجابية في الأسواق النامية التي يتوقع ان تتردد فيها آثار التباطؤ الصيني السلبية. وشاغل الصين اليوم هو المضي قدماً في ارساء إصلاحات اقتصادية من غير تقويض نفوذ الحزب الشيوعي وإبطاء حركة الدين السريعة والمتخففة من القيود الناظمة. ولا يخفى ان أزمة الأسواق النامية تقصر اليوم على الأزمة التركية. والاختزال هذا ضعيف الصلة بالواقع. فالوقت لن يطول قبل ان تبلغ الأزمة التي تعصف بتركيا، غيرها من الدول النامية. * مستشار اقتصادي مستقل، عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 30/1/2014، اعداد منال نحاس