تُنظم «الدار الأوروبية للصورة» في باريس وحتى السادس عشر من الشهر المقبل، معرضاً عنوانه «حكايات صغيرة»، يتمحور على طلب الدار من السينمائي الأميركي ديفيد لينش (68 سنة) التقاط بعض الصور لتشكل سلسلة حكايات صغيرة يتسنى تقديمها للجمهور في القاعات الثلاث الكبيرة التي تضمها الدار وفي الممرات المؤدية إليها. رحّب لينش بالفكرة خصوصاً أنه يعشق التصوير الفوتوغرافي إضافة إلى الإخراج السينمائي، كما يؤلف الموسيقى ويكتب السيناريوات. wومكث الفنان في باريس ثلاثة أشهر كاملة صوَّر خلالها كل ما أثار مخيلته وهز مشاعره في الأماكن العامة، وأيضاً في داخل بيوت فتحها أصحابها من أجله سامحين له بإخراج تمثيليات صغيرة فيها والتقاطها بعدسته. واختار لينش الأسود والأبيض كهمزة وصل بين كل المشاهد المصورة التي التقطها للمعرض، مثلما وضع في حكاياته الصغيرة الغموض ذاته الذي يميز العدد الأكبر من أفلامه عموماً. ويشعر زائر المعرض عبر تجوله في قاعات «الدار الأوروبية للصورة» وممراتها، بأنه يتبع مجموعة من الحكايات لكل واحدة بداية ووسط ونهاية، إضافة إلى كونها تترابط بعلاقة ما وإن واهية، من خلال شخصية مثلاً شوهدت في حكاية ما وتعود إلى الظهور مجدداً في اللقطة ثانية. والشيء ذاته بالنسبة إلى بيت أو حديقة أو شيء محدد، الأمر الذي يرغم المشاهد على إتباع خط السير المحدد له في زيارته للمكان، وإلا ضاع كلياً وعجز عن فهم ما يراه. وإذا كان المعرض يشع بعبقرية ديفيد لينش، يمكن انتقاده لاكتفائه بالإشارة إلى خط السير الواجب اتباعه من دون الدخول في تفاصيل إضافية عبر صفحات المجلد الموضوع في تصرف الزائر والذي لا يزيد على كونه تسلسلاً رقمياً بالصور المطروحة. فهكذا أراد لينش للأمور أن تكون، تاركاً لمن يتجول في أرجاء معرضه الحرية المطلقة في فهم ما يعجبه وتخيل كل حكاية وفق مزاجه الشخصي. ويعتبر لينش من المخرجين المميزين، يستوحي من فرويد وعلم النفس سيناريوات أفلامه ويطرح بواسطة الدراما الساخرة أكبر تساؤلات الفرد في قلب المجتمع. ووصفته الممثلة إيزابيلا روسلليني التي شاركته حياته سنوات طويلة، بأنه عبقري بين العباقرة، فهو الرجل الذي يصور أفلامه وفق قولها، مثلما ينجز الرسام لوحته الزيتية، يُعبّر فيها عن جنونه وخياله المستحيل ولا يطلب من غيره أن يفهم هذا التصور. والطريف في حكاية لينش أنه على رغم تميزه وفرادته في نهجه السينمائي، فهو لا يعثر على أي تمويل لأعماله في بلده (الولاياتالمتحدة)، ولولا الشركات الفرنسية لما شهد الجمهور أي فيلم من إخراج لينش. فالمنتجون في هوليوود لا يحبذون المجازفة العفوية غير المدروسة وغير المبنية على احتمال الربح الوفير من وراء كل دولار مصروف. في حين أن المنتجين الأوروبيين والفرنسيين خصوصاً، وإن كانوا يفتشون بطبيعة الحال عن المكسب المادي، لا يترددون عن خوض المجازفة إذا أعجبهم سيناريو محدد أو فنان معين. ولا تمنع الوسائل المادية المحدودة ديفيد لينش من اللجوء إلى أكبر نجوم هوليوود الذين يقبلون بالظهور في أفلامه لقاء أجر بسيط بصدر رحب وبلا تردد. ومن أشهر أفلامه «الرجل الفيل» (1980)، «ملهولاند درايف» (2001)، «بلو فيلفت» (1986).