تحوّل مسرح سرفانتس (المملوك للدولة الإسبانية)، التحفة المعمارية الإسبانية التي احتضنت عروض كبار الفنانين والمسرحيين العالميين، بناية مهملة آيلة للسقوط ومهددة بالاندثار، بعد مئة سنة على بنائه في مدينة طنجة شمال المغرب. على مسافة قصيرة من مرفأ طنجة القديم الذي سيتحول ميناء ترفيهياً لجذب السياح، تقف معالم المسرح المعمارية، شاهدة على تاريخ هذه المدينة العريقة، وسط تساؤلات حول إمكان صمود هذه المعالم أمام عوامل الزمن في ظل الإهمال. ويذكر برنابي لوبيز غارسيا، المتخصص في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، بماضي «مدينة البوغاز»، قائلاً: «نحن في حاجة الى استعادة تاريخ طنجة عندما كانت مدينة للتعايش، فإحصاءات تعود الى 1919 توضح أن تعداد سكانها وصل الى 40 ألفاً بينهم 26 ألف مسلم و5 آلاف يهودي وما بين 6 و7 آلاف إسباني». وتولى هذا المؤرخ الشهر الماضي، معرضاً كرّسه لمئوية مسرح سرفانتس، في محاولة لنفض غبار النسيان الذي يغطيه بسبب موقعه في نهاية شارع ضيق في منطقة شعبية من مدينة طنجة العتيقة، حيث صار شبه حطام يثير تذمر العارفين بتاريخه. ويبدو السيراميك الأصفر والأزرق الذي يزين واجهة هذا المسرح متهالكاً، فيما الرسوم والنقوش على السطح فقدت ملامحها، وداخل المسرح يعلو الغبار ما تبقى من كراسٍ قديمة. واكتمل بناء مسرح سرفانتس، الذي سمي أيضاً مسرح «سرفانتس الكبير»، سنة 1913 وهي سنة افتتاحه أيضاً، حيث عاش عصره الذهبي في فترة الخمسينات من القرن العشرين لما وصل تعداد الجالية الإسبانية حينها الى 30 ألف شخص، وظل لفترة طويلة أكبر مسارح شمال أفريقيا وأشهرها. وكان المسرح يتسع ل 1400 شخص، وهو جذب فنانين كباراً في تلك الحقبة التي كانت فيها مدينة طنجة تحت الإدارة الدولية. ويروي المؤرخ لوبيز أنه «خلال الحرب العالمية الثانية، حاولت قوات فرانكو العسكرية التي كانت تحتل شمال المغرب وحاضرة في مدينة طنجة، محو الطابع الحداثي للمسرح وتحويله مسرحاً إمبراطورياً عبر إضفاء طراز فاشي نيوكلاسيكي عليه، لكن فشلت بسبب عدم توافر المال لفعل ذلك». واكتسب هذا المسرح شهرة كبيرة مع تحول مدينة طنجة الى منطقة دولية بموجب اتفاق بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا في 1925. ومن بين المشاهير الذين تناوبوا على خشبة مسرح سرفانتس، المغني أنطونيو كاروزو، والمغنية باتي أدلين. لكن بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت الأحوال الاقتصادية لعائلة بينيا المشرفة على المسرح تتدهور، ولم تعد قادرة على تحمل النفقات. وعلى رغم الاقتراح بتحويل المسرح إلى كازينو، إلا أن العائلة رفضت بسبب حبها وتعلقها بالفن والثقافة، لتضطر في آخر الأمر الى التنازل عن المسرح وتسليمه للدولة الإسبانية. وحتى اليوم لم تتوصل السلطات المغربية والاسبانية الى اتفاق لترميمه. وتقدر موازنة ترميمه بما بين 4 و5 ملايين يورو، لكن موقفه في حي شعبي مهمل في المدينة العتيقة يشكل نقطة ضعف لإقناع المسؤولين باتخاذ القرار لصرف هذه الموازنة.