لما كانت القيم الاجتماعية في مجتمعنا تحث وتُشجع على العمل التطوعي كان على أصحاب المهن الإسهام تطوعياً بما ينهض بمهنهم، ومن ذلك تقديم العون والمساندة القانونية للمحتاجين إليها من غير القادرين على دفع أتعابها، فروح البذل والعطاء طوعاً تسهم في توسيع مدارك الفرد وتعزز شعوره بغيره وانتمائه لمجتمعه، وهي من أهم مظاهر وسمات المجتمع المتمدن الذي يسعى للنهضة والتطور واللحاق بركب الحضارة. كيف لا وقد رسّخت شريعتنا الإسلامية معاني عدة في البذل والعطاء من دون أجرٍ أو منّة، ودعت إليه ورغبت فيه، ولطالما حثّ الشارع الحكيم على ذلك وجعل المسارعة في الخيرات والسبق إليها من صفات الصالحين، ورتّب الأجر العظيم على السعي على حوائج الناس وتفريج همومهم. وأعجبني في زيارة لعددٍ من الزملاء المحامين داخل المملكة وخارجها تخصيص أقسام في مكاتبهم وأفراد مفرّغين تسند إليهم مهمات تطوعية تتعلق بالدعم والمساندة القانونية للمعوزين، سواءً من خلال ساعات عمل شهرية أم عبر عددٍ محددٍ من القضايا، وهذا ما يؤكد رقي مهنة المحاماة وإسهامها الفاعل في تثقيف المجتمع وتوعيته، وكذلك مساعدتهم حال حاجتهم إلى العون. وعليه، فدور المحامي المتطوع لا يجب أن يقتصر فقط على تقديم الرأي لمن لا يستطيع دفع أتعاب الاستشارة؛ بل يكون أيضاً من خلال تمثيل الأفراد في القضايا ذات الشأن العام والدفاع عنها بما يبيّن الحق ويزيل اللبس، أو تمثيل المستهلكين ضد المنشآت التي يثبت تورطها في قضايا الغش التجاري، أو تقديم الاستشارات القانونية والشرعية للمنتظرين في المحاكم، وقد تصل إلى تمثيلهم في الخصومة، والإسهام في ما يصلح ذات البين ويجبر الصدع ويحقق الإصلاح في القضايا الأسرية وغيرها من القضايا، كل ذلك رغبةً في الأجر والمثوبة من الله تعالى على ذلك. إن التوعية بأهمية الإسهام التطوعي لصالح الفرد يصب في الصالح العام في النهاية، ونشر ذلك المفهوم داخل مجتمعنا وبين ذوي المهن وبالأخص مهنة المحاماة وتقديم الاستشارات القانونية والشرعية هو ضمان أكيد لتقدم المجتمع ونهضته، وانتشارها هو دليل على لحمته وتماسك أفراده. [email protected] alsgaih@