من المسلّم به ان التلفزيون هو من أكثر وسائل الاتصال انتشاراً ومشاهدة وتأثيراً. لكن، وعلى رغم حضوره الدائم وصعوبة الاستغناء عنه، إلا أنه جهاز يثير الملل، أيضاً، فهذه الشاشة السحرية التي غدت عنواناً لطبيعة الحياة المعاصرة، يمكنها، كذلك، أن تتحول، إلى وسيلة للضجر وسط تشابه المادة الإعلامية... ولعل ذلك يدفع المشاهد نحو الهوامش المهملة، بعيداً من المتن. قد تكون الفكرة ساذجة. لكنّ كثراً من المشاهدين يلجأون إليها على نحو عفوي، أو ربما بصورة مقصودة، دفعاً للحظات الملل الطارئة، وما أكثرها. في مدينتي مونترو وجنيف السويسريتين حيث يعقد «جنيف 2»، وبعدما شُحّت المستجدات وتكررت التصريحات، شرعت عيون المشاهدين في التركيز على الهوامش، أي على تلك المواقع والزوايا المهملة التي لا يأبه بها المصور، عادة، من قبيل البحيرة التي بدت زرقاء فاتنة، والجبال المكللة بالثلوج، والشوارع والطرقات المرتبة باهتمام لافت، والأبنية الأثرية العابقة بصدى تاريخ موغل في القدم... ناهيك عن التلصص على وجوه المارة الذين يظهرون ككومبارس بعيد يرغب المشاهد في ما لو يبتعد «الضيف الثقيل الظل» عن مركز الشاشة كي يتسنى له التمعن في تفاصيل تلك الحياة الأوروبية الهانئة على سفوح جبال الألب. يتكرر الأمر ذاته في المباريات الرياضية، خصوصاً بالنسبة الى الذين لا يعشقون الرياضة كثيراً، إذ تراهم يركزون على اللقطات الخاطفة أكثر من تركيزهم على الكرة، ويهتمون بحركات الجمهور، ورقصاتهم وصيحاتهم، والرسوم والأوشام الغريبة على وجوههم، أكثر من الاهتمام بأرقام قمصان اللاعبين، ويراقبون ردود فعل المدربين والطواقم الفنية، وتحديداً عند تسجيل هدف، أكثر من المرج المستطيل الأخضر. ولا يختلف الأمر كثيراً في المؤتمرات الصحافية، ففي حين يركز المصور كاميرته على الشخصية السياسية أو الفنية أو الرياضية؛ صاحبة المؤتمر، فإن بعض المشاهدين الفضوليين ينتظر تلك اللقطات السريعة؛ النافلة التي تظهر وجوه الصحافيين، ويدقق في شكل القاعة، وحركات الحراس والخدم، واللوحات المعلقة على الجدران... وكل تفصيل آخر لا يمت إلى جوهر المؤتمر بصلة. إنها محاولات للتغلب على «الملل التلفزيوني»، أو هي نزعة التلصص المتأصلة لدى البشر، وكثيراً ما يشعر المشاهد برغبة في تنبيه المصور الى توجيه كاميرته إلى تلك الناحية القصية أو هذه الزاوية المنسية. واالمشاهد محق، غالباً، لا سيما إذا كان الحدث سياسياً، فالتصريحات المملة، والعبارات المستهلكة، والوعود المزيفة تتكرر على نحو يجبر المشاهد على البحث في الهوامش من دون المتن... فتلك الحياة التي تتهادى برفق على خلفية المشهد تبدو أكثر أهمية وجذباً من «وجوه محنّطة» تخفي روعة المسرح الكبير؛ مسرح الحياة الغافلة عن كل قاعدة أو بروتوكول أو محظور.