أعلن عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري وقائد الجيش الذي تمت ترقيته الإثنين من فريق أول إلى مشير، مؤخراً إنه سيترشح للرئاسة إذا "طلب الشعب" واليوم تشير جميع المعطيات إلى قرب إعلان ترشيحه والأهم سهولة فوزه في الانتخابات الرئاسية. وقال السيسي في ندوة للقوات المسلحة "إذا ترشحت فيجب أن يكون بطلب من الشعب وبتفويض من جيشي.. فنحن نعمل بديمقراطية". وبالفعل اعتُبر تظاهر عشرات الآلاف من مؤيدي السيسي في الذكرى الثالثة للثورة خصوصاً في ميدان التحرير وحملهم صوره ولافتات تطالبه بخوض انتخابات الرئاسة، "مسوغاً لترشحه". وسبق هذه المظاهرات ال"نعم" الكاسحة للدستور الجديد لمصر في الاستفتاء، وهو فوز أعطى السيسي دفعة جعلته أقرب ما يكون إلى إعلان ترشحه. للرئاسة. واليوم أعلنت الرئاسة المصرية أن السيسي رقي إلى رتبة مشير وهي أعلى رتبة في الجيش المصري، وهو ما اعتبره مسؤولون حكوميون ل"فرانس برس" "تكريماً للسيسي قبل استقالته". وبعيد ذلك، عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية اجتماعاً لمناقشة احتمال ترشيحه للرئاسة. وكانت "الحياة" علمت أن وزير الدفاع المصري سيُعلن في غضون يومين ترشحه لانتخابات الرئاسة المتوقعة في آذار (مارس) المقبل. شعبية السيسي خلف هدوئه الدائم الذي رأى فيه المصريون دليلاً على الثقة بالنفس، تختبئ شخصية ضابط عنيد خاض من دون أن يهتز مواجهة دامية مع جماعة الاخوان المسلمين، الحركة السياسية التي ظلت لعقود طويلة الاكثر تنظيما في البلاد. وفي بضعة اشهر فقط نجح السيسي في كسب شعبية واسعة لا ينازعه فيها أي سياسي آخر منذ ثورة العام 2011 التي اطاحت حسني مبارك. وقد عزل الرئيس المنتمي اليها محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو 2013 مؤكداً انه لبّى بذلك "ارادة الشعب" بعد نزول ملايين المصريين الى الشوارع يطالبونه بالتدخل لانهاء حكم الاخوان. في الواقع كان قراره إطاحة الرئيس الاسلامي السبب الرئيسي في شعبيته إذ رأى فيه المصريون دليلاً على الشجاعة والاقدام بعد عامين ونصف من الاضطرابات. وحتى منافسيه المحتملين على مقعد الرئاسة مثل حمدين صباحي يعترفون بأن "شعبيته جارفة" وبأنه صار "بطلاً شعبياً". وخلافا للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسي هذه الشعبية معتمداً على الخطب الرنانة أو اللهجة الحماسية وإنما هو على العكس يتحدث دوماً بصوت خفيض وبنبرة هادئة ويفضل اللهجة العامية البسيطة على العربية الفصحى. يفضل السيسي في أحاديثه الموجهة للمصريين يفضل السيسي مخاطبة عواطفهم ولا يمل من تكرار أن الجيش المصري "ينفذ ما يأمر به الشعب". وفي 26 تموز/يوليو، طلب من المصريين النزول الى الشوارع لاعطائه "تفويضاً وأمراً لمواجهة الارهاب المحتمل". وله عبارة شهيرة قالها قبل شهور من عزل مرسي ومازال يرددها في مناسبات عدة "عندما اردتم (انتم المصريين) التغيير، غيرتم"، وفي مناسبة اخرى قال متوجها الى الشعب المصري "انتم نور عيوننا". وتنتشر صوره الى جوار صورة جمال عبد الناصر في التظاهرات وعلى واجهات المحلات. وهو نفسه قال في حوار لم يكن مخصصاً للنشر ولكن تم تسريبه انه "يتمنى" ان يكون مثل عبد الناصر. غير ان قيادات عسكرية مقربة منه تؤكد انه "لا يريد استنساخ تجربة عبد الناصر وسياساته" وإنما يأمل أن "يحقق العدالة الاجتماعية التي سعى اليها" الرئيس المصري الراحل. وفي لقاء مع شخصيات عامة وفنانين عقد أخيراً رد السيسي على من يطالبونه بالترشح للرئاسة قائلا "هل انتم مستعدون لاقتسام اللقمة (الخبز)" مع من لا يملك قوته و"هل ستستيقظون مبكراً مثل رجال الجيش لتبدأوا العمل في الخامسة صباحا؟" في اشارة الى انه يريد توزيعاً عادلاً للدخل ويدرك في الوقت ذاته ان البلاد بحاجة الى عمل شاق. ويعرف الجنرال كيف يكسب حب المصريين. وهو لم يتحدث اليهم عندما احتشدوا بالملايين في الميادين في الثلاثين من حزيران/يونيو للمطالبة برحيل مرسي لكنه خاطبهم بشكل غير مباشر عبر مروحيات عسكرية حلقت فوقهم في سماء القاهرة ملوحة بأعلام عملاقة لمصر وراسمة قلوباً في السماء. تاريخ السيسي رغم أن الرجل أمضى معظم سنين عمره ال59 داخل ثكنات الجيش المصري، إلاّ أنه لم يكن في السنوات الاخيرة خصوصاً بعيداً تماماً عن السياسة. فعندما كان رئيساً للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك، وضع السيسي ما بات يعرف الآن ب"خطة استراتيجية" لتحرك محتمل لمواجهة "توريث الحكم" تحسباً لترشح جمال مبارك للرئاسة، بحسب ما قال ل"فرانس برس" عسكري مقرب منه طلب عدم الكشف عن هويته. وبعد قيام ثورة كانون الثاني/يناير التي اطاحت مبارك وقطعت الطريق على فكرة التوريث، كان السيسي مسؤولاً عن الحوار مع القوى السياسية، بما في ذلك جماعة الاخوان، فتعرف على كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة. والسيسي حذر ويحسب حساباته بدقة. فقبل عزل مرسي بأكثر من أسبوع وتحديداً في السادس والعشرين من تموز/يوليو 2012 استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة جماعة الاخوان "ليكتشفوا أن الجيش انتشر منذ الفجر على كل النقاط الاستراتيجية في القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته على الارض" بحسب شخصية عسكرية مقربة من قائد الجيش. أما السبب، بحسب الشخصية نفسها، فهو أنه كانت لدى القوات المسلحة "معلومات عن تحرك سيقوم به الاخوان يتضمن اعتقالات لاكثر من ثلاثين شخصية سياسية واعلامية فكان لابد من الاستباق، وتحرك الجيش من دون علم او اذن رئيس الجمهورية". وعندما عيّن السيسي وزيراً للدفاع منتصف 2012 سرت تكهنات أنه "اسلامي الهوى" لم تتبدد إلاّ بعد عزل مرسي والحملة الأمنية التي استهدفت الاخوان المسلمين وسقط فيها منذ قرابة ستة اشهر اكثر من الف قتيل واعتقل الاف اخرون. ويقول المقربون من السيسي انه لم يكن في أي وقت يميل الى الاسلاميين لكنه مسلم متدين يحرص مثل كثير من المصريين على أداء صلاة الفجر قبل ان يبدأ عمله في الصباح الباكر كما ان زوجته مثل الغالبية العظمي من المصريات ترتدي الحجاب. تخرج السيسي من الكلية الحربية المصرية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في كلية القادة والاركان البريطانية عام 1992 وفي كلية الحرب العليا الأميركية في العام 2006. وللفريق السيسي أربعة أبناء هم ثلاثة شبان درسوا جميعهم في كليات عسكرية مصرية وانضموا الى صفوف القوات المسلحة واكبرهم متزوج من ابنة مدير المخابرات العسكرية الحالي اللواء محمود حجازي وبنت واحدة تزوجت بعيداً عن الاضواء قبل نحو اسبوعين.