يخطئ الدين هدفه الأساسي، يقول رجل الدين المسيحي الشهير الكاردينال كارل ليمان، إذا عمد إلى تبرير العنف ووقف ضد حرية الإنسان. إن كل خطاب يدعي الحديث باسم الدين ويدعو إلى العنف ويفرض قيوداً على الناس ويعطل حريتهم، هو خطاب لا يمت بأي شكل من الأشكال إلى الدين. يستشهد ليمان بجملة مركزية من إنجيل يوحنا تقول: «يجب أن نفعل الحقيقة»، ويرى أن الدين يقوم على وحدة بين النظرية والتطبيق، المعرفة والممارسة، التقوى وفعل الخير، ولا يمكن أي دين أن يكون مقنعاً، في نظره، أي لا يمكنه أن يخاطب القلب والحواس، إذا لم يحقق هذه الوحدة. إن نقد الدين يمس في جزء كبير منه التناقض بين ما يقوله الخطاب وما يفعله المتكلمون باسمه، وهنا تأتي ضرورة الإصلاح. فوظيفة كل حركة إصلاحية دينية تحرير الدين من أشكال استغلاله وتورطه في المجال الدنيوي، أي الحيلولة دون اختزاله في إيديولوجية معينة، كما يقول ليمان. لكن ماذا عن علاقة الدين بالأديان الأخرى؟ في نظر رجل اللاهوت المسيحي يقوم كل حوار بين الأديان على ثلاثة أسس: الفهم والتفاهم والمسؤولية. لكنه يؤكد أن المؤمن غالباً ما لا يشغل نفسه بفهم الأديان الأخرى ويفضل الطريق السهلة، مغلقاً على نفسه في داخل دينه، وفي غالب الأحيان في داخل المذهب أو التأويل الواحد، وهو ما يمثل في رأيه تربة خصبة للتطرف الديني. فالإنسان، يقول أرسطو، عدو ما يجهل. طبعاً لا يقلل ليمان من الصعوبات التي تواجه فهم الغريب، المختلف، والتي تمتد، في رأيه، من عدم القدرة على الفهم إلى فهم هو سيطرة على الآخر. لهذا يرى ليمان ضرورة أن يتضمن كل فهم للآخر اعترافاً بغيريته كما يحتاج هذا الفهم إلى نوع من الرغبة والميول، أو ما يسميه بفن الفهم، يطلب فهم الآخر وينظر إلى هذا الفهم كنوع من الهبة. ليمان لا يستعمل الفهم كما درج الحداثويون على فعل ذلك، كطريق لاكتساب معرفة جديدة ولمَ لا أرض جديدة، بل إن لحظة الفهم عنده تتضمن المعرفة والاعتراف والعرفان بالجميل. وهناك حيث يقتصر الفهم على معرفة الشيء فحسب، لا يمكنه أن يؤسس للحوار، وبالأحرى للمسؤولية. «إن الحوار ليس ثرثرة»، يكتب ليمان، وهو يهدف إلى تجاوز خلافات قائمة، على الأقل لفترة معينة. إنه يهدف إلى الإجماع، وفي مكان آخر يرى أنه يهدف إلى الحقيقة. لكن الإجماع لا يعني بالضرورة الاتفاق على حقيقة معينة، بل قد يعني أيضاً الاتفاق على استحالة الاتفاق أو الوصول إلى الحقيقة، بل إن ليمان يؤكد أن للحوار معنى أيضاً، حين يكشف عن أوجه الخلاف بين الأديان المتحاورة. «إن الأمر لا يتعلق بمقارنة مجردة للمواقف. وبالنسبة إلى الحوار بين الأديان ففشل جهود الوصول إلى إجماع مفيد في حد ذاته».