ساهمت الثورة السورية في بروز نشاط إعلامي مقروء ومسموع في المناطق الكردية، شمال وشمال شرقي سورية. وتأتي إذاعة «آرتا أف أم» كسابقة في الإعلام الكردي السوري، داخل سورية، كونها تبث نحو عشرين برنامجاً بالإضافة إلى نشرات خبرية قصيرة، باللغات الكردية والعربية والسريانية، فضلاً عن الأغاني بهذه اللغات الثلاث. وتبلغ ساعات البث فيها 14 ساعة يومياً: خمس ساعات من البث المباشر، وساعتان باللغة السريانية، ساعتان باللغة العربية، وبقية ساعات البث باللغة الكردية. الإذاعة التي انطلقت من مدينة عامودا في 7 حزيران (يونيو) 2013، استطاعت استقطاب شريحة واسعة من المستمعين في المدينة والقرى المحيطة بها. ويبلغ عدد الكادر العامل فيها 50 موظفاً، 40 في المئة منهم إناث. هوية حول طبيعة المؤسسة وتوجهاتها، يشير المسؤول الإعلامي في المركز السوري للاتصال والتعاون في المناطق الكردية السورية سيروان حاج بركو إلى أن هذه الإذاعة تعد إحدى مشاريع المركز، وهو منظمة غير حكومة وغير ربحية، مرخصة من الحكومة السويدية التي تمولها، أسسها مواطنون سوريون، ويساهم في تمويل المؤسسة أحد المراكز الأميركية الداعمة للمنظمات الأهلية غير الحكومية». ويوضح أن «آرتا أف أم» إذاعة «مجتمعية ليس لها أية أجندات قومية أو سياسية أو دينية، وليس لها أية أغراض تسويقية. هي صوت المواطن العادي الذي لا منبر له. تسلط الضوء على القضايا الاجتماعية والهموم اليومية للمواطنين، وأثر السياسة وانعكاسها على حياة المجتمع»، مؤكداً أن الإذاعة «غير تابعة لأية جهة موالية للمعارضة أو للنظام في سورية». وعن حضور العنصر النسائي ضمن كادرها، يقول حاج بركو: «للمرة الأولى، وجدت فتيات في مقتبل العمر في مدينة صغيرة مثل عامودا، الفرصة للخروج إلى العلن، وطرح مشاكل مجتمعهن في طريقة مهنية. وقبل سنة، لم يحلمن بأن يصبحن مذيعات أو إعلاميات أو معدات برامج أو محررات أخبار. «آرتا أف أم» وفرت لهن الفرصة. وخلال فترة قصيرة نسبياً، تحولت بعض المذيعات إلى نجمات في المدينة بأدائهن وأصواتهن المميزة». ويشير حج بركو إلى إمكان الاستماع إلى برامج «آرتا أف أم» على الشبكة العنكبوتية في شكل مباشر. وأن العمل جار لتوسيع دائرة البث لتشمل مدينة قامشلو، وباقي المدن والقرى الكردية في محافظة الحسكة، وفي منطقتي كوباني وعفرين، في محافظة حلب. عراقيل وفي ما يتعلق بالعوائق والصعوبات التي تعترض طريق «آرتا أف أم»، يشرح حج بركو أن العائق الأكبر يكمن في «الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي الذي يجبرنا على اعتماد مولدات كهربائية ضخمة تعمل على الديزل الباهظ الثمن، إلى جانب ضعف الإمكانات المادية، قياساً بطموحات المشروع الكبيرة». ويكشف أن هذه الإذاعة باشرت بث برامجها بعد نيلها ترخيصاً رسمياً من الهيئة الكردية العليا (تجمع الأحزاب الكردية السورية المسيطرة على الشؤون الإدارية الخدمية في المناطق الكردية السورية)»، مشيراً إلى أن فكرة إطلاق محطة إذاعية في المناطق الكردية كانت تراوده منذ عام 2005، عندما كان يعمل في الإذاعة الألمانية (WDR). ويقول: «عرضت الفكرة على بعض مؤسسات الإعلام الأوروبية والأميركية. فقدمت لنا مؤسسة «سيدا» التابعة للحكومة السويدية ومؤسسة أخرى أميركية، مدعومة من الحكومة الأميركية، المساعدة لتحقيق مشروعنا». تسعى «آرتا أف أم»، كما يقول حج بركو، إلى أن تجعل المواطن يشعر بما يجري في محيطه، «هدفنا تمكين كل مواطن من إيصال صوته إلى شركائه في الوطن». «آرتا أف أم، إذاعة مجتمعية ليس لديها أجندات سياسية أو حزبية أو دينية أو إيديولوجية. وطننا يعيش حالة حرب وفوضى عارمة. ونريد أن تنفتح مكونات المجتمع السوري على بعضها، ثقافياً وفنياً واجتماعياً. هاجر مئات الآلاف من المواطنين إلى الدول المجاورة وأوروبا. في هذا الوقت، فتحت إذاعة «آرتا» أبواب الفرصة أمام أكثر من أربعين شخصاً كي يعيشوا في سورية. وكان من الممكن أن يهاجر هؤلاء أيضاً، لكنهم الآن يعملون في وطنهم ويساهمون في بنائه»، يقول حج بركو، معتبراً أن «آرتا بوابة صغيرة للتخفيف من آلامنا داخل الوطن». تنبع غالبية المواضيع التي تبثها إذاعة «آرتا أف أم» من شوارع المدينة ومنازلها. ولا ينحصر العمل في الاستوديو فقط. جميع موظفيها ينزلون إلى الشوارع ويأتون بقصص الناس وهمومهم ومشاكلهم ومشاغلهم. وتركز تغطيتها على الجوانب الاجتماعية كمشاكل الشباب والعائلة والمعاناة اليومية للمواطنين، كانقطاع الكهرباء والماء وضرورات الحياة اليومية في المدن، وتشكل الثقافة والفن جزءاً كبيراً من عمل هؤلاء. ويوضح حج بركو أن الإذاعة لا تنافس القنوات الفضائية، بل تريد «تسليط الضوء أكثر على المواضيع المنسية وغير المطروحة. ونحاول أن تكون إذاعتنا لكل شخص، سواءً أكان حزبياً أو مستقلاً، متديناً أو ملحداً، متعلماً أو أمياً، شاباً أو مُسناً». ويلفت إلى أن السلطات المحلية (الهيئة الكردية العليا) لم تضع العراقيل أمام عملهم، «نحن في حوار مستمر. وعموماً، نعمل بحرية». في المقابل، يكشف مدير الإذاعة فريدون قجو وجود «بطء في تطور العاملين. وهذا الأمر طبيعي، كوننا مبتدئين في عملنا، ولا نمتلك القدرات الإعلامية المهنية الكافية. ومع هذا، اجتزنا شوطاً لا بأس به»، لكنه يستطرد قائلاً: «على رغم إمكاناتنا المتواضعة، فإننا استطعنا تثبيت أقدامنا في الساحة الإعلامية». ولم ينفِ قجو «رخاوة» اللغة الكردية لدى المذيعين والمذيعات العاملين في «آرتا أف أم». ويقول: «نعمل جدياً على تطوير المذيعين والمذيعات من خلال إخضاعهم لدورات تعليم اللغة الكودية، من دون أن ننسى أننا نعمل على إيصال الفكرة إلى المستمع باللهجة المحلية المحكية. وأحياناً، تصلنا شكاوى حول استعمال اللغة الكردية الفصيحة، والتي قد لا يفهمها غالبية مجتمعنا». ويلفت إلى أن فريق الإذاعة يطمح إلى «تطوير هذا المشروع الذي جذب جمهوراً كبيراً في المنطقة وأصبح منبراً له تأثيره في المجتمع... وصولاً إلى تحويله إلى قناة تلفزيونية مستقبلاً».