على شاشة «العربية» كانت رندا أبو العزم تقف في رعب ممسكة بميكروفونها وهي تُجري حديثاً في الصحراء مع رجل يحادث «الجن» كما يؤكد لها، ويحكي عن قواعد الدخول في المناطق التي تقع تحت سيطرة الأسياد، وبروتوكول الاقتراب منهم، متبعاً في ذلك قاعدة تخص الإنس أو الإنسان وملخصها هو: هل يمكنك الدخول إلى منزل ما من دون استئذان صاحبه؟ أما السبب فالتحقيق المميز الذي أجرته «العربية» حول سرقات الآثار المصرية المتزايدة، وعمليات البحث عن مادة «الزئبق الأحمر» الثمينة جداً والتي يبحث عنها القراصنة في كل مناطق العالم. وفي مصر نتابع يومياً عمليات سرقة ونهب محتويات مناطق مصنفة كأماكن أثرية أو أماكن أخرى مشتبه في أثريتها، ونقرأ يومياً عن بيوت تنهار على أصحابها، لأنهم أرادوا البحث عن الثروة المدفونة تحت البيوت، أو استجابوا لعصابات تُعرفهم على هذا وتُغريهم بثراء سريع، وسبق أن قُدمت تقارير إخبارية عدة حول هذه الظاهرة المتزايدة منذ ثورة 25 يناير، والتي زادت بسبب الانفلات الأمني وتطور «العلاقة» بين الأمن والشعب، غير أن تحقيقاً حقيقياً واحداً لم يقدم، بعيداً من حماية أجهزة الأمن إلا هذا الذي شعر معه المشاهد بمأزق حقيقي يواجهه الإعلامي أو أي شخص يقترب من عصابات أسطورية تسابق الزمن للعبث بما تمتلكه الأرض من ثروات، حتى لو تسببت بالإضرار بما تبحث عنه من جراء البحث الغشيم لإخراج التماثيل الفرعونية الأصلية أو هذا الزئبق الأحمر السحري. صحيح أن رندا أبو العزم لم تذهب وحدها وإنما بمصاحبة مصدر وربما اثنين، لكنّ قراءة رد الفعل على وجهها وهي تسير في صحراء خالية مع الشيخ الذي يحادث الجن أضافت للمشاهد كثيراً من الاستنتاجات المهمة، منها مثلاً أن فريق قناة «العربية» اقتحم أرضاً لا تفتح للأغراب، خصوصاً الإعلاميين، وأنه ربما طُلب منه التجاوب مع محاذير عدة يضعها هؤلاء وأنه كانت هناك حراسة مشددة لم نرها، لكنها أرهبت المراسلة النشطة ووصلت إلينا عبر الشاشة. هذا التحقيق المهم والجريء يمثل واحداً من مهمات الإعلام الحقيقية، فحين يصبح الأداء العام للقنوات التلفزيونية المصرية والعربية قصاراً على تقديم خبر الجريمة بعد وقوعها أو عند وصول رجال الأمن إلى الجاني والقبض عليه أو تقديم «الحلقة الأضعف»، تصبح التحقيقات المحفوفة بالخطر والتي تسعى إلى الكشف عن الحلقات الأهم، مثل مخططي الجرائم وأبطالها وأساليبهم والذهاب إلى مواقعهم، وثيقة أكثر صدقاً وقيمة، ورسالة معرفة للمشاهد، بحجم المشكلة وخطرها الموجود والمستمر وبالتالي تتحول إلى رسالة إعلامية ترتقي بالمشاهد إلى درجة تشكيل وعيه وليس مجرد «إخباره بأن جريمة قد حدثت.. والبوليس قبض على العصابة». فليس هناك حلول لمواجهة الإعلام لمشكلات الواقع إلا التعامل معها بصدق، ومن دون الانحياز للأمن على حساب المشاهد.