ثمة خلط واضح في أذهان الناس بين ما يسمى «الوهابية» و«الإخوانية»، وقضية الإرهاب والحركات الجهادية. ويعزى هذا الخلط إلى اشتراك بعض الشبان السعوديين في العمليات الإرهابية، وانضواء بعضهم هم تحت رايات جماعات التطرف. والسؤال: هل أفعال ابن لادن وبقية آلاف السعوديين من الإرهابيين هي ثمرة ما يسمى الفكر الوهابي؟ الإجابة هي «لا». لنلتف، ولو موقتاً، حول جدلية التسمية وإشكالية التوصيف التي تثار دوماً عند سماع كلمة ما يسمى «الوهابية» حتى نفرغ من كتابة هذه المقالة. كما هو معلوم، فإن ما يسمى «الوهابية» كانت منصرفة منذ ولادتها إلى تخليص العقيدة الدينية مما لصق بها من أدران الشرك وعوالق البدع، وهو ما جعل منها على رغم أنها سلفية حركة تحررية بامتياز! ومما يجدر ذكره أن العالم لم يشهد خلال ثلاثة قرون منذ قيام ما يسمى «الوهابية» وتمددها وقوع أية عمليات إرهابية استهدفت الأنظمة السياسية والمجتمعات المدنية. باختصار، ما يسمى «الوهابية» كانت، وما زالت، مشغولة بالعودة إلى الينابيع الأولى من خلال بناء مجتمع ديني خالٍ من صور العبادات الجاهلية، كتعظيم الأولياء وزيارة القبور والتنجيم والسحر والدروشة والتصوف الشعبي. أما «الإخوانية» التي يعود تاريخ تأسيسها إلى 1928 على يد حسن البنا، فهي تنظيم سياسي حتى النخاع، إلاّ أنها تتمسح بمسوح الدين، وهو ما أدى إلى اصطدامها المتكرر والعنيف بالنظم السياسية الحاكمة، انطلاقاً من الأربعينات الميلادية. وعلى عكس ما يسمى «الوهابية» التي تتخذ من الدين ملاذاً لها، نائية بنفسها عن التمرغ في أوحال السياسة ونجاستها، فإن «الإخوانية» تستعمل الدين مظلة لها، ومطية لبلوغ مآربها السياسية، والمتجسدة في تشييد دولة الخلافة الإسلامية، وتنصيب مرشدها في المقطم سلطاناً للبرين وخاقاناً للبحرين. ويعد الإخواني سيد قطب بحق هو عرّاب حركات التأسلم السياسي والأب الشرعي لجماعات الجهادية الإرهابية، وذلك من خلال كتابه «معالم في الطريق» الذي يعتبر مرجعاً استلهمت منه جماعات التشدد أصول آيديولوجيتها العنفية. ولو أن المملكة لم تجعل من أراضيها جنة لشياطين «الإخوان» الهاربين من أقبية ومشانق عبدالناصر وحافظ الأسد وغيرهما، لما انتهى الحال بالآلاف من شبان بلادنا المغسولة أدمغتهم بين قتيل وسجين وشريد. فالإخوان، ومنذ أن وطأت أقدامهم البلاد السعودية، وهم يتسرّبون إلى سلك التربية والتعليم، ويصبغون المناهج التعليمية بألوان آيديولوجيتهم. وحسبك أن شيخ المجاهدين ابن لادن تأثر أثناء دراسته الجامعية بفكر الإخواني العتيد محمد قطب الذي أكمل ما بناه أخوه سيد. وحسبك أيضاً أن الأفكار المسمومة في كتاب صاحبهم سيد قطب «معالم في الطريق» التي تقوم على القطيعة مع المجتمع والتأليب على النظم الحاكمة، كانت تُدس إلى الطلاب، وتُزرع في رؤوسهم، وهذا ما تتلمذت أنا عليه أيام الثمانينات الميلادية حتى إني تمنيت يومها لو أني عشت ومُت في زمن الجاهلية الأولى، بدلاً من جاهلية القرن ال20 الأشد والأشر من سابقتها! وحرِص «الإخوان» منذ أن أحكموا قبضتهم على مفاصل التعليم على أسلمة العلوم وبخاصة العلوم الاجتماعية، فابتكروا لنا ما عُرف بعلم الاقتصاد الإسلامي وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع الإسلامي وما إلى ذلك من علوم «الاستهبال الإخواني». ولم يكتفِ «الإخوان» بما تحقق لهم، فجاءوا إلينا بما عُرف بلجان التوعية الإسلامية والمخيمات الصيفية ومراكز تحفيظ القرآن، وكلها كانت أشبه بحاضنات لتهيئة وتنشئة الصغار للاضطلاع برسالة «الإخوان» عندما يكبرون، وهو ما تحقق مع شديد الأسف. [email protected]