بعد 72 ساعة من ظهورها الأول في برنامج «الصوت» (The Voice)، كانت صفحة المطربة المصرية مروة ناجي هي الأكثر تصفحاً على موقع «يوتيوب». هكذا ببساطة تحولت مطربة دار الأوبرا المصرية من مطربة تغني للنخبة الكلاسيكية التي ترتدي ملابس سهرة وبذلات رسمية إلى مغنية تخاطب جمهوراً عريضاً معظمه من الشباب وتحظى بشهرة استثنائية على نحو جعل السؤال ضرورياً: هل حال غناؤها في الأوبرا دون شهرتها؟ ترفض مديرة الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم الإجابة على سؤال بهذه الصيغة، وتؤكد أن «الأوبرا لم تقف ضد شهرة أي فنان، بل على العكس هي مؤسسة لا تريد احتكار فنانيها». وتضيف: «بعد الأصداء الإيجابية للإطلالة الأولى لمروة ناجي تحدث كثيرون عن مسؤولية الدار في إخفاء موهبة كهذه، وهو كلام غير دقيق، لأننا لسنا مؤسسة إنتاجية ومهمتنا واضحة وهي الحفاظ على التراث الموسيقي وتقديم الأعمال الكلاسيكية وأنواع محددة من الموسيقى المعاصرة، والأهم أننا لسنا شركة لطبع الأسطوانات وتوزيعها». تفسر عبد الدايم حالة الإعجاب الاستثنائي بموهبة مروة ناجي بأنها «طبيعية، لأن صوتها مدرب ومؤهل داخل مؤسسة لها تقاليد عريقة»، أما كونها غير معروفة على نطاق واسع، فهو «أمر يعود إلى غياب منتجين يقبلون على هذا النوع من الأصوات التي ترغب في تقديم أغنيات تضيف إلى الرصيد الغنائي ولا تأخذ منه». وتشير إلى أن مطربة نجمة مثل شيرين عبد الوهاب التي تقف بين المحكمين في البرنامج، كانت كذلك تغني ضمن فرق دار الأوبرا مع المايسترو سليم سحاب، لكنها وجدت منتجاً تجارياً غيّر طبيعة ما تؤديه وقدم لها أغنيات أدتها أمام جمهور عريض. وتلفت عبد الدايم إلى أن مروة «صوليست» في فرق الموسيقى العربية وتغني إلى جوار أصوات متميزة مثل مي فاروق وريهام عبد الحكيم، والثلاث صاحبات أصوات متميّزة لم تحقّق الانتشار الجماهيري اللائق. وتعتبر في هذا السياق، أن «صناعة النجم صناعة قائمة بذاتها وتحتاج إلى موازنات وأموال طائلة وهي ليست ضمن أولويات الأجهزة الحكومية في ظل عملية تسليع الغناء التي تصعب مقاومتها لأنها تعتمد على إنتاج مؤسسي ورأس مال معولم وإعلانات ضخمة ولها أهداف ربحية تخالف أهداف الأوبرا كمؤسسة تعليمية وتثقيفية». لا تعتبر عبد الدايم أن غناء مروة ناجي في برنامج مسابقات مخصص للهواة ينقص من قدرها، وترى أن الأمر متروك لصاحبة الأمر، وهي جديرة بتمثيل مؤسسة مثل دار الأوبرا، مضيفة: «لا نفرض عليها أي شروط، فلكل فنان الحق في أن يظهر بالصورة التي تلائم مشروعه وطموحه، ونحن لا نقيد حرية الفنانين الذين يعملون تحت مظلتنا ولا نمنعهم من التحدث إلى وسائل الإعلام، بل على العكس نسعد بالنجاحات التي يحققها هؤلاء لأنها تنعكس إيجاباً على حضور المؤسسة في وسائل الإعلام». اللافت أن ظهور مروة ناجي في برنامج «الصوت» أثار تساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي عن الأسباب التي تدفع مطربة لها حضور في مؤسسة مثل دار الأوبرا للغناء في برامج الهواة؟ وتراوحت الإجابات بين التأكيد أن المؤسسات التقليدية غير قادرة على صناعة نجم، بغض النظر عن حجم موهبته، كما أن هذه الصناعة تغيرت آلياتها كلياً مع ظهور الفضائيات ونقلت ثقل العاصمة المصرية التاريخي إلى عواصم أخرى أبرزها بيروت وأبو ظبي. وهذا يعني أن عصر النجم الذي يولد في حفلات «أضواء المدينة» و «ليالي التلفزيون»، انتهى. كما أن هناك إشارات أخرى أكدت أن مروة ناجي ستحقق من وراء هذا البرنامج بعد حلقتين فقط، أضعاف أضعاف ما حققته من سنوات طويلة من الغناء في الأوبرا. الباحثة في الطب النفسي بسمة عبد العزيز تعتبر أن «وجود مروة ناجي في البرنامج هو خطأ»، وتضيف في حديث إلى «الحياة» أن «البرنامج مخصص لتقديم أصوات جديدة، وهي ليست صوتاً جديداً بل محترفة، ولها مريدوها حتى وإن كان عددهم صغيراً، وسيظل جمهورها صغيراً لأن هذا النوع من الغناء الذي تقدمه صار جمهوره صغيراً». وتلفت إلى نقطة أخرى تتعلق بانعدام التكافؤ في المنافسة لأن إمكانات مروة الصوتية أعلى من إمكانات من كانوا على «منصة الحكام، ومن العيب أن تصغر نفسها». ومن ناحية أخرى، أكد مصدر مقرب من مروة ناجي الممنوعة من التحدث إلى وسائل الإعلام وفق قوانين البرنامج، أنها تفخر بأنها ابنة الأوبرا المصرية. وعندما طلبوا منها تصوير «برومو» (مشهد ترويجي للبرنامج) خلال ظهورها الأول، اختارت أن تصور خلال تمرينات في دار الأوبرا. وبحسب المصدر نفسه، فإن تألق مروة كشف تقصير الإعلام الرسمي، لا سيما التلفزيون الذي توقف عن تقديم برنامج الموسيقى العربية، كما توقف عن إعادة عرض حفلات أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب بعدما بيع أرشيفه لمحطة خليجية استثمرته بنجاح. والأهم أن غالبية الإنتاج الغنائي متروكة لذائقة المنتج الخاص من دون أن تقوم شركات تابعة للدولة بإنتاج غنائي راق موازٍ، بحجة أن «الجمهور عايز كده»، وهي حجة أبطلها البرنامج تماماً.