اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو «مشكلة»، مؤكداً أنه «ليست هناك أرضية مشتركة للحديث معها». وأكد في مقابلة مع «الحياة» أنه لن يقبل بوقف جزئي للاستيطان «لأنه سيعني أن الاستيطان مستمر». وقلل من مطالبة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ب «ضبط» الاستيطان، بعدما كانت تطالب بوقفه. وأشار إلى أن إسرائيل تريد دولة فلسطينية بحدود موقتة، مشدداً على ضرورة أن ينطلق أي استئناف للمفاوضات من المرجعية التي توصل إليها مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في شأن الحدود وأن تتناول القضايا الأساسية. ودافع عن اللقاءات التي ستستضيفها واشنطن مطلع الشهر المقبل بين الوفدين التفاوضيين الفلسطيني والإسرائيلي، لافتاً إلى أن «لا قطيعة بيني وبين الحكومة الإسرائيلية». واعتبر أن «لا خيارات سوى استمرار التحدث» إليها. وفي ما يلي نص المقابلة: كيف رأيت أجواء المحادثات الثنائية والثلاثية؟ - اللقاء من حيث المبدأ كان فكرة تستحق البحث، هل يتم هذا اللقاء أو لا يتم؟ ونحن في النهاية قررنا أن لا بد من أن نأتي، على رغم أن هناك من عارض ومن هاجم ومن انتقد، لكن نحن في سياستنا نفضل أن نكون إيجابيين لا سلبيين. يمكن أن نقول لا أو أن نذهب ولا نحقق أي شيء ونخسر، لكن الأفضل أن نأتي ونقول رأينا، لذلك أتينا وأجرينا هذا اللقاء. الأمر الذي تكلمنا فيه مع الرئيس باراك أوباما هو أن هناك التزامات، هو نفسه أعلن عنها، ونحن ملتزمون بها. قمنا بما يخصنا كاملاً ومستمرون في تطبيق التزاماتنا في الأمن والسلطة والمؤسسات، لكن الإسرائيليين لم يقوموا بأي شيء. الإدارة الأميركية حاولت خلال الأشهر الثمانية الماضية أن تحقق تقدماً وبذلت الجهود من خلال (مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل). هي تقول إنها حققت بعض التقدم، لكن نحن لا نستطيع أن نقبل بالأمر الواقع، فالوقف الجزئي للاستيطان يعني استمرار الاستيطان، حتى لو كان التوقف بنسبة 95 في المئة، فهو استمرار للاستيطان. وجهة نظر الرئيس أوباما هي أننا «حققنا شيئاً، فلنستمر ونبني عليه». نحن وجهة نظرنا هي: يجب أن نتوقف ثم نبدأ بعد أن نحدد مرجعية المفاوضات والقضايا الأساسية، أي الحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه وغيرها. أوباما سيستمر الآن في مساعيه، قال إنه سيستمر لفترة معينة، قد تكون قصيرة أو طويلة، وبعد ذلك سيرى كيف يمكن أن يتصرف. نحن في الحقيقة نريد أن نحافظ تحت أي ظرف على علاقتنا بالرئيس أوباما، ولا نريد أن نخرج بأزمة مع الأميركيين أو أن نفتعل أزمة، لكن في الوقت نفسه لا نستطيع أن نسير إلا في شكل واضح، لا بد من أن تكون معالم الطريق واضحة (لنعرف) إلى أين نحن ذاهبون. وأين يكمن تحديداً الخلاف على المرجعية؟ - اتفقنا على المرجعية مع حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود) أولمرت ومع إدارة الرئيس جورج بوش، وهي تحديد حدود الضفة الغربية وما هي الأرض المحتلة. هذا الموضوع حُسم بيننا وبين الأميركيين والإسرائيليين على النحو الآتي: اننا نقصد بالأرض المحتلة قطاع غزة والضفة الغربية، ونقصد بالضفة القدس، والبحر الميت ونهر الأردن و «الأراضي الحرام». عبارة «الأراضي الحرام» حددت في شكل أوضح، وهي الحدود التي كانت قائمة بين الأردن في ذلك الوقت وبين إسرائيل، ومن هنا انطلقت الخطوة الثانية مع حكومة أولمرت، وهي محاولة الاتفاق على تبادل الأرض ورسم الخرائط. وفعلاً رُسمت خرائط من قبلهم ومن قبلنا، وقدمت اقتراحات لتبادل الأراضي، لكننا لم نتفق. والعودة الآن إلى النقطة صفر مشكلة. الشيء الآخر أن هناك القضايا الأساسية التي ذكرت في مؤتمر أنابوليس. هذه القضايا الست من دون أي استثناء، ناقشناها في عهد أولمرت، يعني ناقشنا الحدود وناقشنا القدس. أما أن نعود إلى الوراء ليقولوا نقبل القدس ونرفض اللاجئين، فهذا لا يجوز. هذه هي القضايا وهذا هو المقصود بالمرجعية. إذاً هناك خلاف جذري بينكم وبين الإسرائيليين على مواضيع التفاوض؟ - بالضبط، خلاف جذري. وهل سيستغرق هذا فترة طويلة؟ - نعم، حكومة نتانياهو مشكلة فعلاً، لأنه ليست هناك أرضية مشتركة للحديث. الاستيطان سيستمر، وهو يقول إن القدس خارج القوس، سواء في ما يتعلق بأي وقف للاستيطان أو في البحث في وضعها مستقبلاً، ويقول أيضاً إن اللاجئين خارج القوس، إذاً في ماذا نبحث أو على ماذا نتفق؟ يرفضون الدولتين، ومرجعيتنا الموجودة في خطة خريطة الطريق تتكلم عن جملتين قالهما بوش وثبتتا في خريطة الطريق: «إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل»، و «إنهاء الاحتلال الذي وقع في 1967». إذاً ما معنى هذا الكلام؟ هذا الكلام مهم ومتفق عليه وإسرائيل لا تريده. الدولة التي تعنيها إسرائيل دولة ذات حدود موقتة. إذاً، نحن في وضع أسوأ بكثير مما هو الانطباع مع بدء الإدارة الأميركية مهماتها. لماذا إذاً ستعقد لقاءات في مطلع الشهر المقبل؟ - نحن لا نرفض مبدأ الحديث والحوار. المفاوضات تتم على شيء مُختلف عليه. هناك فائدة من الحوار وأنا قلت في مجلس الجامعة العربية (في نيويورك أمس) إنني لم أقطع الحوار مع إسرائيل إطلاقاً في ما يتعلق بالأمن والقضايا الاقتصادية والحياة اليومية، ولن نقطعه سواء كانت هناك مفاوضات سياسية أو لم تحصل. وسيستمر هذا الحوار. ليست هناك قطيعة بيني وبين الحكومة الإسرائيلية. هناك خلاف على كيفية بدء المفاوضات السياسية، وعندما نتفق سنتحاور. ستستمر في التحدث إليهم حتى لو استغرق هذا أفقاً زمنية مفتوحة؟ - نحن كنا نقترح فترة زمنية، لكن إسرائيل ترفض هذا. ومع ذلك سنستمر في الحديث. ليست أمامنا خيارات. إما أن نحاور أو نتوقف، وإذا توقفنا سيزداد الوضع تأزماً، ونحن لسنا في وضع يسمح بأن نعيش أزمات. على الأقل نستمر في الحوار. و ماذا لو استمر الحوار بلا نتيجة؟ ألا تخشى ردود الفعل؟ - أعرف أن سيكون هناك تململ عند الناس وسيتساءلون. لكن ليس لدينا خيارات أخرى إلا استمرار الحديث ما دام موقفنا واضحاً. ماذا يريد الإسرائيليون؟ - يريدون دولة ذات حدود موقتة. وأنت ماذا قلت؟ - قلت: لا، أرفض. ولماذا يريدون دولة ذات حدود موقتة؟ - الدولة ذات حدود موقتة هي دولة على 40 أو 50 أو 60 في المئة من الأراضي الفلسطينية الحالية من الضفة الغربية. يريدون أن تقام عليها دولة فلسطينية تُعلن وتبقى حدودها غير نهائية، لكن هذا سيطول 10 سنوات أو 20 سنة، يعني أنها ستصبح حدوداً نهائية بسلطة الأمر الواقع. وهذا هو المقصود. نحن نرفض هذا، علماً أنه وارد في خطة خريطة الطريق، لكن باعتباره خياراً. ونحن لا نقبل هذا الخيار. هل تود أن تبدأ برسم الحدود؟ - نريد أن نستمر في الحديث الذي بدأناه في عهد حكومة أولمرت. لقد حددنا الحدود، قلنا إن حدود الأرض المحتلة هي حدود عام 1967 مع تعديلات متبادلة بين الطرفين، وهذا ما نقوله الآن ونستمر في الحديث عنه. باراك أوباما تحدث عن «ضبط» نشاط الاستيطان الإسرائيلي بعدما كان يتحدث عن وقفه. هل تلمس تغييراً في المواقف الأميركية؟ - اليوم تم تعديل الكلمة، ولا يهم إن تم تعديلها أو لا. نحن نقول وقف الاستيطان في شكل كامل. أوباما قال إن موقفهم لم يتغير. سمعت أنه غيّر هذه الكلمة لاحقاً. أظنه قال: لا نعني هذا وموقفنا كما هو. هل أخطأ ميتشل حين بدأ بموضوع الاستيطان؟ - أهم شيء كان موضوع الاستيطان. إذا اتفق عليه، كنا سننتقل إلى مراحل أخرى، لأنه الالتزام الأول في البند الأول من خطة خريطة الطريق. ألا تسمي هذا فشلاً؟ - لا أسمي هذا خطأً. هل هو فشل؟ - حتى الآن لم يُعلن فشلاً، لكنه سيستمر (في تحركاته). كنت تتحدث عن فكرة البدء برسم الحدود، هل هناك موافقة إسرائيلية على ذلك؟ - كانت هناك موافقة في عهد أولمرت، الآن لا توجد موافقة. هل ستدفع باتجاهها؟ - نعم، سندفع بها بقوة. لماذا؟ - لأننا إذا رسمنا حدوداً، نكون أنهينا مشكلة الحدود ومشكلة الاستيطان وأنهينا مشكلة المياه وأنهينا مشكلة القدس. هل تريد مشاركة عربية وأوروبية وروسية في هذا الدفع؟ - بلا شك، نحن نريد مشاركة دولية من خلال اللجنة الرباعية والعرب باستمرار. ونحن على تواصل معهم، ليتحملوا مسؤولياتهم معنا أيضاً. ذهب نتانياهو سراً إلى موسكو، لماذا؟ - أتصور أنه ذهب في موضوع مختلف، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل لأنني لا أعرف، إنما لا أتصور أنه ذهب للتحدث عن قضية فلسطين. ربما ذهب للتكلم في قضايا أخرى. يقال إنه ذهب للتحدث عن موضوع إيران. هل سيغطي الموضوع الإيراني دائماً على موضوع فلسطين؟ هل ستبقى فلسطين دائماً رهينة الملف الإيراني؟ - لم تكن كذلك في الماضي. وأيضاً للإنصاف، عندما طرحت على أوباما هذه الفكرة، قال إن القضية الفلسطينية أولاً، وإذا تم حل القضية الفلسطينية أولاً، سنحل باقي القضايا. وبالتالي، فإن أوباما لم يقبل بأن تستبدل القضية الإيرانية بالقضية الفلسطينية. هل تحدثتم مع أوباما عن تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في حرب غزة، وهل ستتخذون أي أجراءات قضائية في هذا الموضوع؟ - لا، لم نتحدث إلى أوباما عنه، لكننا تحدثنا عربياً في هذا الموضوع. وأظن أن الأشقاء العرب سيتولون هذه المهمة (الإجراءات القضائية). سيتحدثون عنها ويتخذون الخطوات المناسبة. ما رأيك في الاقتراح المصري في شأن موعد الانتخابات الفلسطينية؟ - المصريون قدموا اقتراحاً بأن تكون الانتخابات في النصف الأول من عام 2010، ونحن موافقون على ذلك، شرط أن نعلن مسبقاً الموعد الذي تتم فيه هذه الانتخابات. ما رأيك في حديث رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض عن بناء المؤسسات وأنه سيجعل بناء الدولة الفلسطينية أمراً واقعاً خلال سنتين؟ - بناء المؤسسات مستمر، وهو عمل ممتاز. ما يجري الآن في الضفة الغربية قلب الأمور كثيراً، الوضع الأقتصادي إلى حد ما أحسن من الماضي، والوضع الأمني مستتب تماماً، المؤسسات تبنى بسرعة، حتى إنني قلت اليوم للرئيس أوباما إننا بذلنا جهوداً وكنا نتوقع أن نعلن دولتنا في أقرب فرصة ممكنة. ما قام به سلام فياض وما يقوم به عمل ممتاز جداً وبتوجهاتنا بطبيعة الحال لترسيخ أسس الدولة الفلسطينية. هناك احتفالات بمرور ستين عاماً على تأسيس وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا»، وستكون هناك جلسة عامة مهمة. هذا الموضوع يطرح عناصر عدة منها مسألة معاملة اللاجئين في البلاد العربية وحق العودة ومسألة التوطين التي يخشاها لبنان والعلاقة مثلاً مع المنظمات الفلسطينية. - في هذه المناسبة، لنؤكد على أن «أونروا» قامت بواجباتها خلال الستين سنة تجاه الفلسطينيين من أجل معيشتهم ومن أجل تعليمهم ومن أجل إدامة الحياة لهم، وهذا شيء مهم جداً، ونتمنى من الدول المانحة أن تستمر في دعم الوكالة لأن مهمتها هي أن تحافظ على وضع اللاجئين إلى أن يأتي الحل والحل ليس عند «أونروا»، إنما الحل السياسي سيأتي من خلال المفاوضات. الموضوع المهم للبنانيين والذي أكدناه أكثر من مرة، أننا نحن حريصون على أن لا يبقى لاجئ في لبنان، بمعنى أن تحل المشكلة. بعض الفلسطينيين ممكن أن يعود إلى إسرائيل وبعضهم إلى الوطن. البعض الآخر سيحمل جنسية فلسطينية ولن يكون عبئاً على لبنان. وبالنسبة إلى العلاقات مع المنظمات الفلسطينية في لبنان وسورية، هل بحثتم في الانفتاح على إيران وسورية مع أوباما مثلاً؟ - لا، نحن علاقتنا مع سورية علاقة متطورة وجيدة جداً وممتازة، وهناك تنسيق كامل كما مع الأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر وغيرها، كذلك التنسيق بيننا وبين الإخوة السوريين على أحسن ما يرام. هل أنت متفائل؟ - يجب أن نبقى متفائلين، و إلا لا فائدة من عملنا.