تتسبب الأزمة السياسية الحادة التي يمرّ فيها لبنان، في شل المؤسسات العليا للدولة، وعجزها عن اتخاذ أي قرار أو إجراء من شأنه تسيير شؤون الناس الحياتية الملحة، وتساهم أيضاً في إبقاء الذهب الأسود في باطن الأرض. هذه المرحلة مصيرية إلى حد كبير، وتتطلب توسعاً في الإنفاق، والدولة عاجزة عنه لأسباب معروفة (الدين العام الضخم والعجز الدائم في الموازنات العامة). وهنا لا بد من تدخل القطاع الخاص اللبناني المتفوق في مجالات الاستثمار سواء في الداخل أو في الخارج، وكما هو حريص على استثماراته وازدهارها يجب أن يكون حريصاً على سلامة الوطن. كيف يمكن للقطاع الخاص أن يساهم في المرحلة المقبلة في عملية إعادة الإعمار وتصحيح مسار التنمية؟ في الماضي، بخاصة في تسعينات القرن الماضي، طرحت فكرة تخصيص بعض المرافق العامة ومنها خصوصاً مؤسسة كهرباء لبنان، وألفت الحكومة آنذاك لجنة من خبراء الاقتصاد والمال لدرس الفكرة وإمكان تطبيقها، علماً أن التخصيص يعني بشكل أو بآخر تخلي الدولة عن ملكية المؤسسة التي تخصص. لذلك رفضت الفكرة كما أن البعض اقترح تخصيص محطات توليد الكهرباء أو خطوط نقل التيار الكهربائي، وفي زمن ساد فيه الاعتقاد بأن السلام في المنطقة أصبح وشيكاً. ورغبة من الدولة في استلحاق الأمور وإعداد البلاد لمرحلة السلام المقبل، اتجهت الحكومات في حينه إلى نمط التوسع في الإنفاق لتنفيذ مشاريع عمرانية، متجاوزة حدود التوازن بين الواردات وحجم الإنفاق، فعمدت إلى الاستدانة من مؤسسات خارجية وداخلية حتى بلغ اليوم الدين العام حداً لم يبلغه سابقاً وغير متناسب مع قدرات لبنان ومستوى دخله القومي. وقد تكون الصيغة التي اقترحت عام 1994، إنشاء شركة مختلطة لبناء مصفاة لتكرير النفط في موقع مصفاة شركة نفط العراق (طرابلس)، ويبدو أن الفكرة لاقت قبولاً لدى مجلس الوزراء وأراد اعتمادها لإدارة عدد من المرافق العامة. وأحال على مجلس النواب مشروع قانون معجلاً أهم ما ورد فيه: المادة الأولى: أجيز للحكومة بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح الوزراء المختصين، إنشاء شركات مغفلة مختلطة لإدارة المرافق العامة التالية: البريد، النقل المشترك، السكك الحديد، استثمار محطات توليد الطاقة، مصافي النفط. ويحدد في مرسوم إنشاء الشركة برأس مالها والأحكام المتعلقة بها ولاسيما لجهة طريقة تأسيسها والاكتتاب بأسهمها وإدارتها ونطاق عملها. المادة الثانية: يمكن تحديد رأس مال الشركة بالعملة الأجنبية ويجب ألا تقل مساهمة الدولة عن 20 في المئة من رأس المال المحدد. المادة الثالثة: يجاز للدولة الاكتتاب كلياً أو جزئياً في رأس مال كل شركة وفي مطلق الأحوال لا يجوز أن تزيد المساهمة النقدية للدولة على ما يعادل 200 مليون دولار أميركي بالليرات اللبنانية. وتوزع الاعتمادات المخصصة لكل شركة من الشركات الملحوظة في المادة الأولى أعلاه بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص. المادة الرابعة: يمكن عند الاقتضاء تغطية الاعتمادات اللازمة لمساهمة الدولة النقدية في رأس مال الشركات المنشأة عن طريق: المساعدات، القروض، الواردات الاستثنائية التي يصير تحديدها في قوانين، ويجاز للحكومة إصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية وذلك وفقاً للآتي: - يجب ألا تقل مدة استحقاق أي من السندات المصدرة عن السنتين من تاريخ إصدارها. - يجب أن تسدد هذه السندات المصدرة نهائياً في موعد لا يتعدى 15 سنة من تاريخ بدء إصدارها. - تحدد نسب الفوائد على السندات وفقاً للمعدلات الرائجة في السوق. والمؤسف أن مجلس النواب لم يوافق على مشروع القانون وتوقف معظم النواب – كما يقال – عند موضوع مصافي النفط واقترح على الحكومة اعتماد صيغة DBOT لمدة 25 سنة وهي صيغة غير ملائمة إطلاقاً من النواحي المادية كما لا تتلاءم مع سياسة الدولة، وقد تعيدنا إلى مشكلات سابقة عانى منها لبنان مع مصفاتي التكرير القديمتين: مصفاة طرابلس IPC، ومصفاة الزهراني (مدريكو). علماً أن مرور 25 سنة على المصفاة يفرض حتمية صيانة معداتها مرات عدة وليس من ضمانة بأن تبقى المصفاة بوضع سليم كما في بدء عملها. على أن صيغة الشركة المختلطة من فوائدها: - مساهمة الدولة بنسبة 35 في المئة (الحصة المانعة) لقاء موقع المصفاة القديمة وبناها التحتية وعقاراتها. - إمكان الحصول على قرض أو قروض من المصارف المحلية أو الأجنبية بكفالة الدولة لتمويل بناء المصفاة، مع فترة سماح لمدة 5 سنوات وبفوائد مقبولة، كما هي العادة عند شركات النفط الكبرى عند إقدامها على إنشاءات نفطية لمد خطوط أنابيب لنقل النفط الخام، أو إنشاء وحدات بتروكيماوية أو غير ذلك من المنشآت المتعلقة بمهام شركات النفط. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية - بيروت