تفاقمت الأزمة في بنغلادش بعد فوز حزب «رابطة عوامي» بزعامة رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد بنسبة 80 في المئة من مقاعد الانتخابات الاشتراعية التي أجريت أول من أمس، وقاطعها 21 حزباً للمعارضة، في مقدمها حزب «بنغلادش القومي». ولا شكوك حول نتائج الانتخابات لأن الفائزين من الحزب الحاكم ترشحوا بلا منافسين في 153 من 300 دائرة، لكن وزيرة الدولة البريطانية للشؤون الخارجية البارونة سعيدة وارسي دعت الأحزاب السياسية في بنغلادش إلى العمل لمصلحة الشعب». وزادت: «من المخيّب عدم امتلاك الناخبين في أكثر من نصف الدوائر فرصة للتعبير عن إرادتهم في صناديق الاقتراع، وتدني نسبة المشاركة في باقي الدوائر. كما نشجب أعمال التخويف والعنف غير الشرعي من كل الأطراف التي شهدتها بنغلادش في الأسابيع الأخيرة، والهجمات على مباني عامة بينها مدارس وكليات»، علماً أن أعمال العنف التي اندلعت بين الشرطة وآلاف المتظاهرين خلال اليومين الأخيرين، أسفرت عن 24 قتيلاً على الأقل بينهم 7 أمس، وحرق مئات من مراكز التصويت. ومددت المعارضة الإضراب العام ضد «مهزلة الانتخابات» حتى غد الأربعاء، فيما طالب شمشير شودوري، نائب رئيس الحزب القومي، الحكومة ب «إلغاء الانتخابات وإجراء اقتراع جديد لتشكيل حكومة محايدة وانتقالية قبل تنظيم انتخابات، كما حصل سابقاً». لكن الشيخة حسينة تمسكت بأن الدعوة لانتخابات جديدة تتطلب توقف حزب «بنغلادش القومي» عن العنف، والمشاركة في حوار، على رغم أن زعيمة المعارضة، منافستها التاريخية رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، تزعم أنها في إقامة جبرية منذ أكثر من أسبوع، ما يعني أن لا مؤشرات على أي تهدئة للأزمة، واحتمال حصول مزيد من الاضطرابات، علماً أن خبراء يتوقعون تنامي التطرف الديني في هذا البلد المسلم عبر حزب «الجماعة الإسلامية»، والذي لم يتفش فيه فعلياً حتى الآن. وقال منير الزمان من معهد بنغلادش للدراسات حول السلام والأمن، إن «الخلافات الحادة بين رابطة عوامي وحزب بنغلادش القومي وصفة لتعزيز التطرف، خصوصاً الاستخدام المفرط للقوة الذي تمارسه الحكومة ضد الحزب منذ سنة سمح له بتعزيز موقعه وتنظيم صفوفه بشكل أفضل واجتذاب مزيد من الدعم». وإثر شنق السلطات العام الماضي القائد السابق ل «الجماعة الإسلامية» عبد القادر ملا، لادانته بارتكاب مجازر خلال حرب الاستقلال عن باكستان عام 1971، اندلعت أعمال عنف وشغب أوقعت عشرات القتلى. كما ينتظر تنفيذ أحكام بإعدام ثلاثة قادة آخرين للجماعة مدانين في القضية ذاتها. وبرر جوهر رضوي، مستشار رئيسة الوزراء الشيخة حسينة موقف السلطة بأن «الجماعة تريد إنشاء دولة دينية تقوم على الشريعة، فيما لا تستطيع السلطات أن تسمح بمهاجمة الجماعة الدستور الذي اختاره الشعب وتبدل الطبيعة الجوهرية للدولة». لكن الإسلاميين رفضت هذه الاتهامات، وأكد النائب السابق عن الجماعة سيد عبد الله طاهر، وهو أحد مسؤولي الحزب القليلين الذين لم يعتقلوا قبل الانتخابات الاشتراعية، تصميم الجماعة على احترام الديموقراطية، وقال: «نسعى إلى اجتذاب الناخبين تدريجاً الى قضية الإسلام، بالاعتماد على وسائل قانونية، إذ لا نؤمن بالعنف أو بالإرهاب». تحذير من تعنت السلطات ودعت صحيفة «نيو ايج» السلطة إلى تسوية، معتبرة أن «تعنتها سيؤدي إلى عواقب كارثية»، محذرة من أن «البلاد يمكن أن تتعرض لغضب المجموعة والمنظمات الدولية، وحتى إلى عزلة اقتصادية وسياسية». وقبل الانتخابات، أبدت الولاياتالمتحدة ومنظمة دول الكومنولث والاتحاد الأوروبي قلقها البالغ من اندلاع أعمال العنف في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 154 مليون نسمة، ويعتبر ثامن أكبر بلد في العالم على صعيد عدد السكان. وتراجعت عن إرسال مراقبين بحجة أن ظروف اجراء انتخابات حرة وشفافة لا تتوافر. وشهدت بنغلادش هذه السنة أكثر أعمال العنف دموية منذ إنشائها عام 1971 إثر استقلالها عن باكستان. وأحصت منظمة غير حكومية سقوط أكثر من 500 قتيل، بينهم 150 منذ بدء المعارضة تظاهرات لإلغاء الانتخابات في تشرين الأول (أكتوبر). ولم يمنع انتشار عشرات الآلاف من الجنود لحماية الانتخابات حرق ونهب نحو 200 مكتب تصويت ومقتل 24 شخصاً، بينهم اثنان تعرضا للضرب حتى الموت لدى محاولتهما حماية مكاتب تصويت في أقاليم شمال البلاد التي تنتشر فيها المعارضة الوطنية بكثافة. أما باقي ضحايا الصدامات، فهم ناشطون من المعارضة قتلتهم قوات الأمن وسائق شاحنة أحرقها مهاجمون. وألغي الاقتراع أو جرى تعليقه في 436 على الأقل من 18 ألف مكتب، كما تقول اللجنة الانتخابية.