زيارة واحدة قام بها الفنان السويسري جيل فونتولييه الى الاراضي الفلسطينيةالمحتلة، كانت كفيلة بأن تقوده الى أفكار جديدة عن واقع الانسان وحريته في ظل قسوة الاحتلال الاسرائيلي. فالطريق الى حقل الزيتون كان صعباً، لا سيما أن غالبية الفلسطينيين لا يستطيعون التجوّل في حقولهم وقطف ثمار أشجارهم بحرّية، بسبب منع جنود الاحتلال وتحديد حركة المواطنين الفلسطينيين... من صعوبة الحركة على الارض ولدت فكرة إنشاء مركبة فضائية فلسطينية كردّ على الحصار الذي يتعرض له المواطن الفلسطيني. هذا العمل الفني لجيل فونتولييه، جاء تعبيراً لاذعاً وساخراً في الوقت ذاته عما يعانيه الفلسطيني من شروط صعبة في الحركة والتواصل على أرضه، خلال زيارته مدينة نابلس بصحبة المزارع أحمد. فونتولييه شارك أحمد في قطاف الزيتون الذي تحدّد له قوات الاحتلال وقتاً معيناً، إذ يجب على المزارعين الخروج في وقت محدد حتى لو تركوا الحقل خلفهم من دون قطاف. هنا يروي الفنان السويسري بداية انطلاق فكرة تجهيز مركبة فضائية: «يبدو أحمد نافد الصبر، منزعجاً ومتوتر الأعصاب، لديه 78 شجرة، والزيتون ناضج، لكن لا أحد من أفراد عائلته يملك إذناً بالدخول إلى الحقل لحصاده»، يقول. ويضيف: «أما أنا كوني مواطناً سويسرياً فيمكنني التجول بحرية على هذه الأرض، وإن كان عليّ الانتظار عند حاجز التفتيش لمدة قصيرة». ويروي: «استطعنا قطف ثمار ثلاث شجرات زيتون في يوم واحد، لن يكون بإمكان أحمد جمع ثمار الشجر كله في أي حال، فالوقت قصير جداً. لكن في نهاية الأمر قطفنا الثمر من الأغصان، وإن لم يبق لدينا وقت لاستكمال الحصاد». يسرد فونتولييه حكاية مشواره مع أحمد بشغف، مفتوناً بجمال الطبيعة النابلسية وطيبة أهلها. ويتحسّر لكون هذا المزارع البسيط سيفقد حقله إذا لم يعمل فيه. ويروي كيف اكتشف وهما عائدان إلى السيارة وكل منهما يحمل على ظهره كيساً مملوءاً بالزيتون، «وكالة الفضاء الفلسطينية» التي كانت تبدو بعيدة. عاد فونتولييه الى بلاده، حيث قرأ شيئاً عن محادثات السلام الجارية بين إسرائيل والفلسطينيين، وأخباراً عن الأممالمتحدة والمستوطنات والصواريخ وردود الفعل. «ينسحب «الربيع العربي» تدريجاً إلى الخريف فيما أجلس في مكتبي في سويسرا الذي يبعد 4000 كيلومتر عن فلسطين، مستعرضاً مواقع الانترنت للبحث عن موقع «الوكالة الفلسطينية» ورؤاها، لأمزجها في ما بعد بذكريات إقامتي في فلسطين»، يقول فونتولييه. وهو حاول من خلال عمله، الإجابة عن اسئلة جوهرية، مثل: «هل بإمكاننا ان نجد فسحة أو مكاناً ونوفر ما تحتاج الحياة إليه لتنجح وتزدهر؟ ما هي الخطوات الضرورية التي نتخذها من أجل إغناء هذا الكوكب؟». دُعي فونتولييه إلى عمّان كفنان مقيم ينتج أعمالاً فنية. كثيرون نصحوه بتجنّب الخوض في موضوعات الدين والجنس والسياسة. وهناك من نصحه أيضاً بتفادي الحديث عن القضية الفلسطينية برمّتها. «هذه الملاحظات وتّرت أعصابي وأقلقتني، فالرقابة تجربة لم أمر بها». لم يكن الفنان السويسري، يعلم بعد على أي خامة سيعمل ولم يخطر في باله مشروع «وكالة الفضاء الفلسطينية» الذي عنون في ما بعد ب «عمّان 1». وهو عمل فني إنشائي تركيبي (5 أمتار) معروض على سطح دارة الفنون في عمّان. وتصف نظرية الفن هذا الشكل من العمل بأنه عمل سياسي ذو صفات استعراضية أدائية قابلة للمشاركة. ويفيد فونتولييه: «أتفق مع هذا التعريف، غير أن أكثر ما يثير اهتمامي آراء الناس، بماذا يفكرون ويقولون حين يمرون من أمام موقع البناء وهم يشاركون في أحد النقاشات الحادة الكثيرة، أم يكتفون بإرسال رسالة إلكترونية؟ فهذه البيانات تظهر بوضوح أن المركبة شيء أكبر من كونها عملاً فنياً، وأن «وكالة الفضاء الفلسطينية» أكثر من كونها مجرد صفحة على «فايسبوك». إنه عمل يكشف القدرة الكامنة في الفن». المركبة الفضائية التي أصبحت جاهزة ليس فقط للعرض وإنما لتفاعل المشاهدين معها، كانت بالنسبة إلى فونتولييه محطّ اهتمامه ليعرف ردود الفعل وعما كان يتحدث عنه الناس. «كان بإمكاني أن أسمعهم يتحدثون مراراً وتكراراً عن «أمل. شارة أمل»، ولا أعرف على وجه التحديد ماذا يعنون بالأمل. لكنني أستطيع أن أرى ذكريات وأجزاء من الماضي تُستدعى إلى الحاضر»، يقول فونتولييه. ويشرح أن تجهيز «عمّان 1» يوسع خيارات السفر على نحو مفاجئ، إذ لا أحد يحتاج إلى تأشيرة ليطير إلى الفضاء. ويضيف: «غالباً ما يسألني الناس عن وجهة السفر، فأرد على الدوام بأن لكل واحد أن يختار لنفسه ما يريد. في لحظات كهذه تمكنني المركبة من التفكير بطريقة جديدة للسفر. كثيرون يرون أن «عمّان 1» ماكينة زمن يمكنها أن تسافر في المكان والزمان». وخلص فونتولييه الى القول إن «بعضهم يرى ان المشروع برمته مزحة كبيرة، بل مزحة سيئة ويعتبرون انه موضوع لا يليق التندر به وهو ليس لعبة وإنما هو مسألة حياة أو موت، لكن لا بد لي من الاعتراف بأنني لم أضحك في أي عمل من أعمالي المجسمة كما ضحكت في هذا العمل. حتى لو أن كل ذلك يمكن أن يُفهم على أنه مزحة، فقد لا تكون هي الطريقة الأسوأ للتفكير بقسوة الوضع».