لا يختلف إثنان علي ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردغان يمر بفترة حرجة لم يشهدها حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 عندما تسلم الحكومة في تركيا. فالرجل لم ينجح في دفع تهمة الفساد عن شخصيات نافذة في حكومته التي كانت توصف بحكومة اليد البيضاء، حيث تفاعلت عمليات الكشف عن فضيحة الفساد والرشوة في المجتمع التركي إن عند الاسلاميين الذين يقودهم فتح الله غولن او العلمانيين الذين يشكّكون في قدرة الاسلام السياسي على قيادة تركيا الاتاتوركية. وزاد الطين بلة، تراجع النمو الاقتصادي التركي وتسجيل اخفاقات في سياسة تركيا الخارجية علي اكثر من صعيد . ومن المستبعد نجاح رجب طيب اردغان الذي يقود حزب العدالة والتنمية في ترميم وضعه الداخلي قبل الانتخابات النيابية التي تجري في آذار (مارس) القادم، لكن باستطاعته اعادة ترسيم سياسته الخارجية معتمداً علي وزير خارجيته أحمد داود أوغلو الذي ما زال ينادي بنظريته « صفر مشاكل» مع الدول الاقليمية . بعد العام 2010 قفزت السياسة التركية الى السطح عندما فكر حزب العدالة والتنمية بصوت مرتفع في ان يكون نموذجاً للدول العربية التي انتفضت في «ربيعها» لكن هذه القفزة سرعان ما شهدت خريفاً في «ساحة تقسيم» علي اصوات الشباب الذين هتفوا بسقوط اردغان وحزبه، بعدما سقط النموذج التركي في الميادين العربية ابتداء من سورية وانتهاء بمصر، الامر الذي ادي الي قطيعة او علي الاقل انزعاج من حلفاء الاقليم، تطور الي طرد السفير التركي من مصر، وما رافقه من تأثر التجارة الاقليمية مع اسطنبول خلال العام الماضي 2013. حيث بدا واضحاً النحس الذي حمله الرقم 13 لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردغان الذي واجه انخفاضاً في مستوي التبادل التجاري مع الدول الخليجية، وأثر ذلك علي النمو الاقتصادي التركي بشكل عام. وفي الوقت الذي لم تشهد العلاقة التركية - الاسرائيلية تطوراً منذ الهجوم علي الباخرة التركية «مرمرة» عام 2010، اوقفت الادارة الاميركية مشاوراتها مع الحكومة التركية لتسويق «النموذج التركي» لدول «الربيع العربي»، بل اكثر من ذلك برز قلق اميركي من مغبة وصول الاضطرابات العربية الي تركيا. وعلي خلاف الدول الاقليمية التي تخوفت من نتائج الاتفاق الايراني- الاميركي ، فان تركيا تعتقد بامكاني الاستفادة من الظروف الجديدة التي يخلقها الاتفاق لتكون جسراً بين ايران الخارجة من العزلة الاقتصادية والسياسية، وبين الدول الغربية التي تريد ان تدخل الساحة الايرانية. اضافة الي ان تركيا بحاجة للنفوذ الايراني في كل من العراق وسورية ولبنان من اجل اعادة صوغ سياساتها الخارجية والاقتصادية إن في ايران او في دول الاقليم. شعرت الحكومة التركية باحباط شديد جراء الاتفاق الروسي- الاميركي بشان الاسلحة الكيماوية السورية، بعدما وضعت ما تملك من البيض في السلة الاميركية لاستبعاد الرئيس السوري بشار الاسد من المعادلة السياسية في سورية. الا ان التطورات في سورية ولدت قلقاً حقيقياً عند الحكومة التركية جراء تصاعد العنف علي الحدود التركية - السورية المشتركة الامر الذي دعا السياسة التركية الي المطالبة بوقف العنف والحرب الداخلية في سورية مستفيدة من الظروف الجديدة التي ولدتها الحكومة الايرانية الجديدة المعتدلة التي شكلت املاً في ايجاد حل سياسي مناسب لهذه الازمة التي اصبحت تقلم اظافر العديد من اللاعبين علي الساحة السورية. وفي اثناء ذلك شهدت العلاقات الاقتصادية بين ايرانوتركيا تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية. ولم تتأثر هذه العلاقات بفضيحة الفساد التركية علي الرغم من تورط المعتقلين بالاجراءات التي تعمل علي تجاوز العقوبات الاقتصادية علي ايران، حيث تشير المعلومات الي وصول مستوي التبادل التجاري بين البلدين الي 14 بليون دولار ، ومرشح ان يصل الي 20 بليون دولار سنويا ، وهو رقم يسيل له لعاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردغان الذي يريد ان يجد له متنفسا اقتصاديا بعد الضغوط السياسية الجاثمة علي صدره. وعلي الرغم من القاء القبض علي شخصيات وشركات ومستثمرين اتراك متورطين بقضايا فساد، الا ان الصادرات الايرانية لاتزال تصل الاراضي التركية مقابل الذهب والفضة التي يشتريها الايرانيون من السوق التركية لتسديد قيمة صادراتهم النفطية والغازية لتركيا. وساهمت الحكومة الاميركية في تنشيط التبادل التجاري بين ايرانوتركيا بعدما أغلقت كافة منافذ المال والاعمال التي كانت تتعاطي بها ايران سواء في المنطقة الخليجية او في جنوب شرق اسيا، لتبقى المنافذ التركية مشرعة امام النفط والغاز الايراني الذي دّر الذهب والفضة للخزينة الايرانية طوال الاعوام السابقة . واستناداً الى التجاذبات المذهبية والقومية في المنطقة، والطموح الايراني علي خلفية التعريف الجديد للامن القومي الايراني في الوصول لمياه المتوسط، فان من الصعب تصور تقدم العلاقات الايرانية - الخليجية، مما يدفع بتركيا لان تكون الصديق الاستراتيجي لايران خصوصا في حال تحرك الاقتصاد الايراني بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية. ان رغبة الولاياتالمتحدة في خفض نفوذها في المنطقة، وتجمع المتضررين من السياسة الايرانية في خندق واحد، يجعلان الحكومة التركية في موقع متميز من اجل تعزيز دورها لكن هذه المرة من النافذة الايرانية. التعاون التركي- الايراني يستطيع ان يخدم الاقتصاد الغربي كما انه يخدم المعتدلين في ايران من خلال دعم النمو الاقتصادي الايراني. وهذان الهدفان مهمان للدول الغربية. ويسود الاعتقاد ان مثل هذا الدور لتركيا في الاقليم يستوجب طمأنة الدول الغربية باستمرار وجودها في حلف شمال الاطلسي ورغبتها في مصالحة المعارضين في الداخل التركي مع ابداء القدرة علي المساهمة في اقناع الحكومة الايرانية علي ضرورة التوصل مع الدول الغربية لاتفاق دائم في المجال النووي.