بدأت ضاحية بيروتالجنوبية تلملم جراحها غداة التفجير الإرهابي الذي أدى الى استشهاد 4 مواطنين وسقوط أكثر من 70 جريحاً، فيما دارت الشبهة في التحقيقات التي تواصلت أمس على هوية الانتحاري الذي فجر السيارة الرباعية الدفع، بعد العثور على اخراج قيد فردي في الطبقة السادسة من أحد المباني في الشارع الذي وقع فيه الانفجار، يعود الى شاب يدعى قتيبة الصاطم (19 سنة) من بلدة حنيدر في وادي خالد في عكار شمال لبنان، على أن يجري التحقق منها عن طريق فحوص الحمض النووي لأشلاء عثر عليها ليل أول من أمس في ساحة الجريمة مكونة من النصف الأعلى للجسد ورأس بقيت معالمه واضحة. وتركزت الجهود على محاولة فك لغز الانتحاري المفترض عبر الفحوص المخبرية وبدأ تشييع الشهداء وسط أجواء مؤثرة وحزينة. وإذ استدعي والد الصاطم، الذي كان أبلغ عن اختفاء ابنه منذ 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لأخذ عينة منه من أجل اجراء الفحوص المخبرية، فإن التداعيات السياسية للتفجير، مثل التداعيات التي ظهرت بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح قبل 8 أيام، فرضت نفسها على المشهد السياسي مرة أخرى وطرحت السؤال عما إذا كانت تفاعلات هذا التفجير ستسمح بمواصلة رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام خطتهما لإعلان الحكومة الجديدة المؤلفة من الحياديين، مطلع العام الجديد، خصوصاً بعد تصريحات أدلى بها سلام قال فيها انه سيعطي فسحة بسيطة للأطراف من أجل التوافق على الحكومة. وتحدثت مصادر معنية بالتأليف عن أن من أسباب التريث بضعة أيام في تأليف الحكومة ان البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي كان أبلغ بنية اعلانها قريباً، ووافق على دعمها من أجل الانتهاء من الفراغ، عاد يدعو الى التريث بعد تصريحات رئيس البرلمان نبيه بري من أن تأليف الحكومة الحيادية التي تعتبرها قوى 8 آذار حكومة أمر واقع ترفضها، سيؤثر سلباً على الاستحقاق الرئاسي الذي تبدأ مهلته الدستورية قبل شهر من انتهاء ولاية سليمان في 25 أيار (مايو) المقبل. وذكرت المصادر نفسها ان تراجع الراعي عن دعمه توجه سليمان وسلام لدعم الحكومة فرض اعادة الحسابات في هذا الشأن من دون أن يلغي احتمال الإقدام على اعلان الحكومة قريباً. وطرأ تطور أمس على صعيد توقيف أمير «كتائب عبدالله عزام» ماجد الماجد، فأكد الجيش اللبناني في بيان أمس أنه ثبت بعد إجراء فحص الحمض النووي انه «أحد المطلوبين الخطرين ماجد الماجد من الجنسية السعودية»، وهذه القضية دخلت بدورها مجال التنازع الإقليمي، فكررت إيران أمس مطالبتها بالاشتراك في التحقيق مع الماجد باعتبار ان «كتائب عبدالله عزام» تبنت عملية التفجيرين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في بيروت في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وأبلغ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس نظيره اللبناني عدنان منصور ان طهران تعتزم ارسال «وفد الى بيروت للمشاركة في التحقيق مع هذا الإرهابي نظراً الى دوره في بعض الاضطرابات التي شهدتها المنطقة، وكذلك دوره في العملية الإرهابية التي أدت الى استشهاد اثنين من موظفي السفارة الإيرانية في بيروت وعدد من اللبنانيين». وإذ شكر ظريف جهود السلطات اللبنانية في اعتقال الماجد، صدر بيان عن عائلات ضحايا تفجير السفارة الإيرانية دعا الى «محاكمة الماجد على الأرض اللبنانية حيث ارتكب جرائمه المخزية وألا يعمل على تسليمه لأي جهة خارجية كانت تحت أي عنوان أو تبرير أو ضغط أو مراعاة». وأعلن الوزير منصور أن الوزير ظريف حمل رسالة شفهية من الرئيس حسن روحاني الى الرئيس ميشال سليمان تتضمن التهنئة على توقيف الماجد. وذكر منصور أن ظريف تمنى الاستفادة بأكبر قدر من المعلومات التي بحوزته لأن «لديه من دون شك معلومات قيمة جداً. ورفع منصور أمس طلب السلطات الإيرانية المشاركة في التحقيق الى وزارات الدفاع والعدل والداخلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة». كما أعلنت الخارجية الإيرانية في ادانتها للتفجير الإرهابي الذي طاول الضاحية الجنوبية، استعداد طهران لمساعدة لبنان حكومة وشعباً في تجاوز هذه المرحلة الصعبة وإحباط أي مخطط ارهابي للمجموعات التكفيرية والإرهابية التي تدعمها الصهيونية. وقال السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي أن كل العمليات الإرهابية منذ أشهر على الأراضي اللبنانية تُخطط من جانب جهة واحدة. كما شدد على الوحدة الوطنية في لبنان والحفاظ على الاستقرار. وكان السفير السعودي في بيروت علي بن عواض عسيري دان الانفجار الذي تعرضت له الضاحية الجنوبية وقال في بيان صادر عن السفارة أن «لا مفاضلة بين إرهاب وآخر وأنجع سبيل لمواجهته هو بناء تفاهم وطني لبناني» متمنياً على بعض وسائل الإعلام عدم تجييش الخواطر. وصدرت إدانات لجريمة التفجير من وزير الخارجية المصري نبيل فهمي ووزارة خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة التي جددت الطلب من مواطنيها عدم السفر الى لبنان والالتزام التام به، كذلك دانت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون «التفجير الإرهابي» مؤكدة الوقوف الى جانب المؤسسات اللبنانية الأمنية والسياسية للتغلب على التحديات، ورأت سفارة اليابان في بيروت أنه لا يجوز تبرير أي عمل ارهابي «مهما كانت أسبابه ودوافعه». وشيعت بلدة مجدل سلم في جنوبلبنان الشهيدتين ايمان حجازي وملاك زهوي اللتين كانتا تمران من أمام السيارة المفخخة التي انفجرت في الضاحية وسط الدموع والغضب، وكذلك شيع الشابان الآخران اللذان قضيا معهما. وينتظر أن يشيع الفتى علي خضرا (17 سنة) بعد التعرف الى جثته المشوهة من فحوص الحمض النووي، وزار رفاق مدرسته أمس موقع الجريمة حيث وضعوا الورود في مكان سقوطه. وأنهى رجال الأدلة الجنائية رفع الأدلة من الشارع العريض في حارة حريك في الضاحية أمس حيث جرى فتح الشارع، الذي تابع أصحاب المنازل والمحال التجارية فيه، تنظيفه من الزجاج المحطم الذي غطى نسبة كبيرة منه والسيارات المتضررة والمدمرة فيما قامت لجنة من «حزب الله» بمسح الأضرار وتسجيلها، وسط ذهول المواطنين مما تعرضوا له... وعرضت قناة «المنار» في نشرتها المسائية فيلماً لإحدى كاميرات المراقبة التي كانت مثبتة على أحد الأبنية في الشارع الذي استهدفه الانفجار، ظهرت فيه السيارة المفخخة (غراند شيروكي) وهي تجتاز الشارع حائرة في أي جهة أو مكان تُركن من قبل سائقها الانتحاري، ثم فجأة دوى الانفجار. وتواصلت المواقف اللبنانية الداخلية تعليقاً على آثار العمليات الإرهابية المتتالية على الوضع السياسي، ورأى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن على الجميع أن يعي خطورة الوضع القائم في البلاد. وأعرب في حديث له سجل قبل الانفجار عن اعتقاده بوجود قرار دولي ومظلة تحميان الاستقرار في لبنان. وقال إنه لا يمكن تعويم الحكومة ولا توجد كلمة في الدستور تقول بذلك. واعتبر ان لتدخل الفرقاء اللبنانيين في الحرب السورية تداعياته السلبية ولن تفضي مشاركة هذا الفريق أو ذاك الى تعديل مسار الحرب هناك. وصدرت ادانات للجريمة من نواب في تيار «المستقبل» ذكّر بعضهم فيها من أن تدخل «حزب الله» في سورية سيجر الويلات على لبنان. ودعا وزير الزراعة حسين الحاج حسن (حزب الله) الى مواجهة الإرهاب «عبر تشكيل حكومة جامعة وانتخاب رئيس جديد في الموعد المحدد»، مشيراً الى ان «الإرهاب لا يفرق بين أحد ولا يمكن مواجهته بالمواقف التي تريد الإفادة من الظرف»...