مهرّج بألوانه المزركشة، لكنه في وضع مقلوب إذ يقف على رأسه، وملامحه واجمة، مطرقة، ذاهلة، يبعث برسالة مفادها العبث... وهو ما يؤكده الفنان التشكيلي عمر النجدي في معرضه بقاعة بيكاسو «المهرج الضاحك الباكي»، قائلاً: «أرى أن الضحك والبكاء أصبحا متلازمين ومتداخلين في زمن العبث، وفي ظل ما تعيشه مصر من أحداث غير مفهومة تَسقط وجوه بسرعة يعجز لاعب السيرك عن مجاراتها. والمفارقة في هذا المعرض أن القادم الى داخل القاعة تكون لوحة المهرج على يساره، واللوحة الكبيرة لبعض السيدات يقفن على الشرفة إلى اليمين كأنهن يتفرجن عليه!». المهرج يتخذ أشكالاً وأوضاعاً عدة ويبعث بإشارات تحوم حول فكرة «العبث». فالمهرج في حركته الشهيرة، راكباً الدراجة ولكن تاركاً يده في الهواء وهي تسير في الاتجاه الذي تريده. أما التفاصيل من حوله مثل الهلال والأهرام، فترمز إلى رسوخ الشخصية المصرية وأن مرحلة «العبث» طارئة ولن تستمر طويلاً». النجدي كما يقول عن نفسه هو فنان اللحظة، ويرتكز على مخزون حضاري من الجماليات التي تمتد من عصر الفراعنة الى العصر الراهن، لذلك لا يجد عناء في التعبير عما يريده. وخبرة نصف قرن وأكثر من العمل في التصوير والرسم والحفر والخط العربي والنحت، تفيض من بين يديه على اللوحات الكبيرة التي يفضلها... سجل من قبل أحداث الحرب في البوسنة، في لوحة «سراييفو» (12 متراً) الموجودة في أحد متاحف فرنسا، ولوحة «العشاء الأخير في القدس» عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وأخيراً لوحة «25 يناير» عن الثورة المصرية. ويوضح النجدي أن فنانه حر، طليق تعبيري الهوى، «فلا تقيدني قواعد أو حدود. واستيعابي تقنية الرسم في المدارس الغربية بحكم إقامتي ودراستي في الدول الأوروبية، جعلني أخوض في كل المواضيع، والمهم عندي هو إظهار لحظة الانفعال والتوهج لدى الشخصية أو اللوحة بكل عناصرها وتفاصيلها». ويرفض النجدي أن يكون اللون الذهبي، الغالب على لوحات المعرض، عنواناً لمرحلة في حياته الفنية، وإنما القاعدة المذهبة للوحات هي مجرد تكنيك يستخدمه وليس الهدف في حد ذاته، مشيراً إلى أن الذهبي رمز أساسي في الفن الفرعوني والقبطي والإسلامي. تكوينات أخرى حفل بها المعرض، تمثل جانباً من عالم النجدي في الاحتفاء بالمظاهر الشعبية، مثل «المولد»، و«الحصان» و«عالم المرأة» و«الرقص». وعن لوحة «البورتريه الأزرق» يقول : «أصل اللوحة هو المرأة الموجودة بوجهها والتفاصيل من حولها مثل: النيل، الطائر الأبيض، القناطر، الحقول، هي تمثل العالم الذي تنظر إليه وتعيش فيه». ويتعمّد الفنان أن تتخذ لوحاته منظور عين الطائر، على غرار الرسام الشرقي محمود الوسطي الذي وضع رسوم مقامات الحريري و«كليلة ودمنة». فاللوحة مسطحة وأبدع النجدي في جعلها كادرات كالسينما، تتقاطع لونياً وتكوينياً داخل اللوحة هو ما يسميه «البعد الخامس». ويعد عمر النجدي من أشهر الفنانين المصريين في العالم، ولديه متحف باسمه في باريس افتُتح في العام 2002 ويزوره شهراً في كل عام، ليقدم أحدث أعماله. وعرضت لوحاته إلى جانب أسماء عملاقة مثل كلود مونيه وسلفادور دالي. تخرج من كلية الفنون الجميلة في القاهرة العام 1953، وهو رئيس قسم الديكور والتصميم الداخلي في كلية الفنون التطبيقية سابقاً، وحصل على العديد من الجوائز الرفيعة، منها الجائزة الأولى في بينالي الإسكندرية 1965 وجائزة في الحفر من المعرض السنوي العام في البندقية.