لدى وصوله الى الرئاسة في العام 2008، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه يطمح الى أن يحذو حذو رؤساء غيّروا مسار الولاياتالمتحدة مثل رونالد ريغان وفرانكلين روزفيلت وجون كينيدي. غير أن تعثرات هذا العام الداخلية والخارجية قوّضت طموح أوباما وهزت رصيده في العمق وأدت الى تهاوي شعبيته، في شكل قد يطيح فرص الديموقراطيين في الفوز في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل. وأظهر غلاف مجلة «ايكونومست» الأخير تحول صورة أوباما من رئيس «يمشي على الماء» الى رئيس يغرق فيها، ما يعكس حجم المأزق الذي يواجهه في النصف الثاني من ولايته الأخيرة. وبعدما ناهزت شعبيته ال55 في المئة وفق معدل الاستطلاعات بداية 2013، تراجعت هذه النسبة في نهايته الى 41 في المئة، وفق استطلاع ل «واشنطن بوست» وقناة «أي بي سي». ويقارب ذلك نسبة شعبية ريتشارد نيكسون الذي لم يكمل ولايته الثانية بعد فضيحة «ووترغيت». سنودن والضمان الصحي وعلى رغم أن البلاد لم تشهد فضائح بحجم «ووترغيت» أو «مونيكا لوينسكي» أو حتى أخطاء جورج بوش في حرب العراق، فإن مطبّات داخلية وخارجية تساهم في احباط أجندته، بعد أن أفقدته «الهالة» التي رافقت وصوله الى البيت الأبيض قبل 5 سنوات. ولعل شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لخص في شكل استثنائي حجم العراقيل التي تواجه الرئيس ال44 للولايات المتحدة. ففي مطلع الشهر، خيمت الأزمة الاشتراعية بين الديموقراطيين والجمهوريين وفشلهم في تمرير موازنة لتمويل الحكومة الفيدرالية، مما أوصد أبوابها لمدة 15 يوماً، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1996. وفيما كان الحزب الجمهوري المتضرر الأكبر من الإقفال بسبب هيمنة اليمين المتشدد على قاعدته النيابية، حمّل الرأي العام الأميركي أوباما مسؤولية عدم القيام بما يكفي للتفاوض مع الجمهوريين، كما أبطأت الأزمة دورة التعافي في الاقتصاد الأميركي. وتزامناً مع أزمة الإقفال، أتى تخبط الادارة في اطلاق الموقع الالكتروني لخطة الضمان الصحي، التشريع الأبرز في ولاية أوباما الأولى. ففي حين وعد أوباما الأميركيين بموقع «يشبه موقع (التسوق) أمازون وكأنكم تشترون جهاز تلفزيون»، اتت التجربة أكثر تعقيداً ومملوءة بالإخفاقات لدى تنفيذها في بداية الشهر ذاته. اذ لم يستوعب الموقع كثافة الإقبال، كما كشف عن ثغرات في خطة الضمان الصحي التي طالما اعتبرها المراقبون «الانجاز الأكبر» في الولاية الأولى للرئيس. وفي تشرين الأول أيضاً، كُشف المزيد من الوثائق حول برامج التجسس الأميركية التي بدأ بتسريبها المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي أدوارد سنودن، قبل لجوئه الى روسيا. وألحقت تسريبات سنودن في ذلك الشهر، أضراراً جسيمة بالادارة، كونها كشفت تجسس واشنطن على المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، وأطلقت عاصفة انتقادات دولية وداخلية للرئيس. وبدا ان أوباما، «بروفسور» الحقوق والدستور الأميركي سابقاً، خذل الكثير من مناصيره في اليسار والليبيراليين (بينهم سنودن) في ملف التجسس بحفاظه على تشريعات سلفه جورج بوش في الأمن القومي، لا بل توسيع مداها الداخلي والدولي. وهزت فضيحة سنودن الثقة بأوباما وأضرت بالتعاون الاستخباراتي مع الخارج، بعد مخاوف من تمادي الأجهزة الأميركية وأيضاً فشلها في الحفاظ على سرية المعلومات في شكل سمح لسنودن بالهروب بأكبر كم من التسريبات السرية في التاريخ الحديث. ضبابية... واستحقاقات وعدا عن التهاوي في شعبية أوباما، هددت تلك الفضائح الأجندة الأهم للرئيس الأميركي وهي فرص الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. اذ أظهر استطلاع لشبكة «سي أن أن» ان الجمهوريين وعلى رغم صعود اليمين وخسارتهم الأقليات، تصدروا الاستطلاعات النيابية بنسبة 49 في المئة في مقابل 47 في المئة في المئة للديموقراطيين. وتعني هذه الأرقام امكان احتفاظ الجمهوريين بالأكثرية في مجلس النواب العام المقبل، وبالتالي جعل أي تشريعات حول الهجرة أو النظام الضريبي مستعصية على ادارة أوباما وتقوّض شرعيته بشكل يجعلها أقرب الى اسلاف له مثل ليندون جونسون وهاري ترومان، بدل روزفلت أو ريغان. ويحاول البيت الأبيض اليوم تطويع وجوه جديدة بينها المسؤول السابق عن الفريق الرئاسي في ولاية بيل كلينتون المتمرس بالمفاوضات مع الجمهوريين جون بوديستا. كما أعادت الادارة اطلاق الموقع الالكتروني لخطة الضمان الصحي، واعتذر أوباما للأميركيين الذين خسروا تأمينهم بسبب الإجراءات الجديدة. كما يستعد الكونغرس لإقرار اصلاحات طفيفة في القانون. غير أن نافذة الوقت ضيقة لإعادة الزخم الى الرئيس الأميركي، وسيدخل البيت الأبيض في سباق مع الوقت مطلع العام الجديد لتمرير تشريعات تزيد شعبية أوباما قبل الدخول في موسم الانتخابات النصفية. ويعول أوباما على نجاحات خارجية لدعم رصيده الداخلي، والتي توجها العام 2013 بالاتفاق المرحلي مع ايران، وإمكان الوصول الى اتفاق شامل خلال عام يمنع طهران من تطوير السلاح النووي. وحتى في هذا الملف، يواجه أوباما عراقيل داخلية بعد تلويح لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بتمرير عقوبات جديدة مطلع 2014، ما قد يجبر أوباما على استخدام «الفيتو» ضدها ويطلق عاصفة داخل الحزب الديموقراطي الذي يسيطر على مجلس الشيوخ. كما سيحاول أوباما الاستفادة من الانسحاب المرتقب من أفغانستان في 2014 وإحراز أي تقدم في عملية السلام، لتسويق ذلك في اوساط الرأي العام الاميركي المعارض لخوض حروب جديدة والمرحب بجهود الانخراط. وسيكون على الرئيس الأميركي التفوق على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في المناورات السياسية للنجاح في مفاوضات السلام من دون التضحية بالملف الايراني. وسيكون للاقتصاد ثقل كبير في تقرير مصير أوباما وشرعيته في الولاية الثانية. وفي حال استمرار النمو البطيء في الوظائف والاقتصاد، سيقوض ذلك مسار الولاية الثانية. أما في حال هبوط نسب البطالة الى 6 في المئة، فقد ينقذ الرئيس الأميركي والحزب الديموقراطي في سنة انتخابية ويحيي فرص أوباما ليكون رئيساً «تحولياً» في حال حصد أكثرية لحزبه في المجلسين، ما يمكنه من تمرير تشريعات بحجم إنجاز الضمان الصحي أو اتفاق شامل بين الاسرائيليين والفلسطينيين ومع ايران، بدل الانكفاء الحالي.