عرض راقص هو أقرب إلى حُلم جمع أجساداً وأرواحاً فوق المسرح لتشكّل معاً لوحة متعددة الألوان والأشكال. قصيدة تسافر في الهمّ الفلسطيني ومعاناة المواطن اليومية مع الماء، رحلة في سياقات تاريخية وآنية وضمن رغبة جامحة لمستقبل أفضل. «لقد تركز اهتمامي خلال السنوات الأخيرة على استعمال الفن في أعمالي كوسيلة تواصل للحفاظ على البيئة، نتيجة لقناعتي الراسخة بقدرة الفنّ على نشر الثقافة البيئية بين مختلف شرائح المجتمع...» هكذا تقدم الفنانة التونسية السويدية نوال اسكندراني رغبتها في بثّ ثقافة الحفاظ على البيئة من خلال أعمال فنيّة تنأى عن التقليدي وتبحث عن الابتكار والتجديد مع الطرح الطريف. وفي هذا السياق، ما زالت إسكندراني تواصل تقديم العرض الفنّي الراقص «إلى حدّ ماء»، هذا العرض الموغل في تخمة من الجماليات الحسية والجسدية والذي يضمن متعة روحية غير اعتيادية لكل من يتابعه. «إلى حدّ ماء» ليس خطأ لغويّاً ولا خطأ مطبعياً كما قد يتبادر إلى الأذهان بادئ الأمر، بل هو عنوان مقصود، وبإلحاح أيضاً، ويندرج في سياق العلاج بالصدمة ربما، ولكن بأساليب وطرق فنيّة راقية، الماء بما هو الحياة والتواصل والسلام، الماء بما هو الدفقُ والخصب والنماء. عمل من إنتاج تونسي-فلسطيني ويشارك فيه فنانون وراقصون من دول أخرى مثل الأردن وفرنسا وإيطاليا ومصر والبرازيل، افتتح مهرجان الحمامات الدولي في تونس، وما زال يعرض في العاصمة، وسيفتتح مهرجان رام الله للرقص المعاصر في شهر نيسان (ابريل) 2014. لماذا الماء؟ «لأن للماء صدى كبيراً في مخيلة كل واحد منّا»، تقول اسكندراني. وتضيف: «ولأن البيئة والحفاظ على كوكبنا كانا وسيظلان دائماً ضمن اهتماماتي الرئيسة، ولأنني اليوم أكثر من أي وقت مضى أعتبر أنّ طرحي لموضوع الماء بصفتي فنانة-مواطنة هو أكثر من واجب، بل حالة طارئة ومؤكدة...». وتواصل: «هذا، وإن كانت الوضعية في بلدان أخرى أخطر بسبب النزاعات المسلحة والاحتلال والكوارث الطبيعية، فإنّ بلدي، مثل غالبية بلدان المنطقة العربية التي عانت منذ عقود طويلة من انتهاكات صارخة للديموقراطية وللحريات بمختلف أنواعها ما زال ضحية جهل أصحاب السلطة بمخاطر تدهور الوضع البيئي فيه وانعكاساته الكارثية على مستقبل شعبه على رغم رؤية بعض المجهودات الإيجابية التي قد تشير إلى الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها». أمّا فنيّاً وفي سياق توظيف الرقص كحالة إبداعية لخدمة قضايا البيئة أو استغلال المشاكل البيئية وإدراجها في أعمال فنيّة، فتؤكد اسكندراني أنّها ما زالت تدافع عن الرقص كفنّ مكتمل الشروط، معتبرة أن «من الضروري والحيوي إعطاء الفرصة للراقصين الشبان حتى يتسنى لهم أن يكونوا فاعلين في المجال البيئي بالتعبير عن مواقفهم ومشاغلهم وخوفهم وغضبهم ومطامحهم والتزاماتهم وأحلامهم، خصوصاً في هذه الجهة من العالم حيث وللأسف الشديد يعتبر الرقص فناً ثانوياً ودخيلاً». ومن أجل ذلك، تعتبر أنّ شغلها الشاغل هو إعلاء هذا الفن والارتقاء به، كناقل للأفكار والأحاسيس والآمال، وأكدت ذلك من خلال شعرية العرض الذي بدا أقرب إلى قصيدة مشحونة بالصور مفتوحة على الكثير من التأويلات والإيحاءات. الإبداع المواطني تؤمن اسكندراني بفكرة «الإبداع المواطني» وترى أنّ «كل عمل إبداعي- مواطني يساهم بالضرورة في بلورة الوعي، مجتازاً بذلك كل الحدود، منطلقاً غالباً من مشاكل فردية خاصة ليتطرق في النهاية إلى مواضيع تهم الإنسانية قاطبة». يقوم العرض على المزج بين الرقص والفنون السمعية والبصرية وأيضاً على الكلمة، في سعي دؤوب لخلق مشاهد فنية يؤديها تسعة راقصين بالاشتراك مع موسيقيين شبان من تونسوفلسطين ومصر وفرنسا والبرازيل. وتتمحور كل أفكار العرض حول موضوع الماء بما فيه من أبعاد إنسانية وكونية. وانطلقت فكرة العرض عام 2010 في رام الله حيث عاشت اسكندراني معاناة الفلسطينيين ولاحظت وجود خزّان ماء في كل بيت، وتحدثت مع مدير مهرجان رام الله للرقص المعاصر، فكان الإنتاج المشترك، علماً أنها زارت فلسطين مرات عدة وعرضت فيها بعض أعمالها.