يعلق كثيرون منا توقعات كبيرة على يوم العيد، ويقع بعضنا في فخ ما يعرف في علم النفس ب «النستولوجيا»، اي عقدة الحنين إلى الماضي، فيجزع حين يمر العيد ولا يحمل معه ذاك الفرح الذي جربه صغيراً، حين كان لكل شيء مذاق، عندما كان العيد مناسبة لكل جديد. فالناس كانت ترتب بيتها وتنظفه أو تصبغه أو ترممه حين يقترب العيد، والثياب الجديدة تكون مناسبة شرائها قبل العيد، وبعضنا كان لا يشاهد العملة الورقية ولا الحلوى المتوافرة حتى التخمة ولا اللحم إلا حين يأتي العيد. لكننا اليوم في عصر الوفرة، لم يعد العيد توقيتاً يرتبط بالجديد بل صرنا نجدد بيوتنا ونمر على الاسواق كل حين، وتمتلئ أيدي الأطفال بكل شيء في مواسم كثيرة غير العيد، لهذا فإن العيد لا يصبح توقيتاً للوفرة والجديد، وهذا ليس مؤشراً بالضرورة سلبياً، بقدر ما أن الوفرة هي التي أعطت معنى مختلفاً للحياة، وبحسب المعادلة الظاهرية، فإن أيامنا التي تشبه العيد أصبحت أكثر، وأفراحنا وهدايانا ومواسم اجتماعاتنا أصبحت تفوق ما كان عليه العيد، فلماذا نصدق تلك العقدة التي تستجلب ماضياً لم نعرفه سوى بذاكرة الصغار وبقلوب لم تكن تعرف غير فرح اللحظة القصيرة. أطفالنا اليوم لديهم ما يفرحهم، لديهم دائماً ذاكرة قصيرة، ويعيشون تمثيلية العيد متى ما رتبت لهم الامهات تفاصيلها. إن فرحهم ليس بما يمتلكونه من ماديات بل ما ينعمون به من مشاعر غضة تعيش اللحظة ولا تفكر بالأمس ولا تقلق من الغد مثلما نفعل نحن. لهذا نحزن. يحزن كثيرون منا حين يمر العيد ويجد الاطفال وحدهم فرحين، بل ان بعضهم يسقط أحزانه على الأطفال، ومن شدة بؤسه يقرر عنهم أنهم لا يفرحون، لأنهم لا يفرحون بطريقته نفسها وهو طفل، مع أن زمانهم غير بزمانه، وظرفهم المعيشي غير ظرفه. تماماً مثلما يفعل كتابنا العرب حين يأتي العيد، فهم لا يتذكرون بيت الشعر للمتنبي «عيد بأية حال عدت ياعيد» سوى ليلة العيد، ومع أن المتنبي حين غنى ذلك اليوم كان يعيش مأساته الخاصة، امارة أفلتت من يده، ووعد أخلف، ومقام غريب، وحسرة في قلب شاعر لها ما لها، فما ذنب العيد؟! كتابنا يعتبرون أن العيد مناسبة لتجديد الاحزان فيذكرونك أن القدس محتلة، وأن العراق في حرب وكرب، تماماً مثل من يدير اسطوانة النكد في يوم عرس. في يوم تقتضي فيه الآداب العربية والاسلامية أنه يوم نودع فيه شهر الصوم، يفوز الصائم فيه بالرحمة والمغفرة، وعودة المسلم الى يوم بلا قيود ولا كد ونصب. هذه الثقافة العربية إن لم نهذبها ستنتهي بنا إلى ثقافة تربي الحزن، وتعادي الفرح، فنصبح مع الزمن أعداء الفرح وما أدراك من أعداء الفرح؟! [email protected]