من المخجل جداً الجهل الشديد بقوانين الدين الإسلامي، حقيقة لم أستغرب هذا الجهل من جيل مغيب العقل، قليل القراءة في الدين، شديد الإصرار على مناهج شيوخه الذين شّوهوا الإسلام بشرائعهم التي لا تمت للدين بصلة، ولا للفقه الإسلامي بوجه من الأوجه. هكذا بدت سوءاتهم العويصة في فهم نصوص قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي أوردت «الحياة» الأسبوع الماضي بعض نصوصه، مشيرة إلى أنه سيعرض قريباً على مجلس الشورى السعودي للنظر فيه، بعده اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مستنكر ومعارض وهازل وعابث. المتشددون أصابهم الهوس في ما يتعلق بزواج القاصرات، وتحديده بسن 18 عاماً، إذ غرد بهذا أحدهم، وهو المعروف بفتوى فتنة البنت لأبيها إذا لبست «البنطال»، قائلاً: «إن صَدر قانون بتحديد سن لتزويج الفتاة، ومنع ما قلّ عنه، فهو قانون يضرب بفتاوى العلماء عرض الحائط، ويعترض على زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة»، ألا يفقه هذا الرجل أن الرسول تزوجها بأمر من ربه، وأنه شيء خاص به، وأن هناك اختلافاً في تحديد عمر السيدة عائشة رضي الله عنها، حدده بعضهم بالتواريخ أنه بين 16 - 17 عاماً، متناسياً أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من خديجة رضي الله عنها في سنّ 40 عاماً، وسودة بنت زمعة في سنّ 70 عاماً، بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بأصغر من عائشة، ولو كانت هذه سُنّة لكررها. ثم لماذا يصر هذا المتفيقه على الاقتداء بالرسول في سنّ عائشة، ولا يحرص عليه في حالي خديجة وسودة رضي الله عنهما؟ ألا يكفي الجرائم التي ارتكبت في حق الصغيرات وانتهاك طفولتهن وامتهانهن؟ بالتأكيد هو يظهر على الفضائيات، لكنه لا يشاهدها، وإلا لنصحته بمشاهدة مسلسل القاصرات الذي عرض في رمضان الماضي، وأن الممثلين والممثلات قدموا رسالة إنسانية في هذا الموضوع أبلغ من «تغريدته». لم يأت هذا القانون بجديد، كله مستمد من الشريعة الإسلامية، فأين التغريب في هذا لمن يكرر هذه الكلمة المموجة مع كل ظاهرة لا تعجبه؟ الشراكة الزوجية من صميم الإسلام، فعلام الاعتراض عليها، وسبحانه وتعالى يقول: «وجعلنا بينكم مودة ورحمة»، وهذا مبدأ الشراكة، وليس مبدأ الوصاية الفجة المغلفة بالعصا والعضلات؟ وجعل الطلاق بيد المرأة شرط ليس بالجديد، هو معترف به من عصر النبوة، وكثير من الصحابيات اشترطن أن يكون الطلاق بأيديهن، واشترطن أيضاً عدم الزواج عليهن، فلماذا يتبجح الجهلاء بأن هذا من وثيقة «سيداو»؟ متفقين في التغريد مع بعض النساء اللاتي أدمن الوصاية عليهن، معتقدات أنهن ملكات زمانهن في عصر يتعامل فيه بعض الرجال مع المرأة على أنها من ممتلكاته الشخصية. ألا يرجع هؤلاء إن كانوا حقاً يريدون الإنصاف، إلى قراءة الفقه المستقل عن أهواء مشايخهم، ليعرفوا فظاعة جهلهم؟ لا أستبعد أن يجتمع المعارضون قريبا عند الديوان الملكي، فهم في كل شرٍ مقبلون، وفي كل خير مدبرون، لو استغاثت بهم امرأة مظلومة لأوسعوها ظلماً على ظلمها، ولما وجدت صدى لديهم، أما موافقة مجلس الشورى لدينا فلا يعوّل عليها، فقد تعوّد منهم المواطنون رفض كل ما هو في مصلحته، وسيسخر أعضاؤه كما سخروا من حقوق المتقاعدين والعاطلين وقضايا الشأن العام، وربما يصوّت بعدم التوصية. يجب أن يطبق هذا القرار فوراً بقرار سياسي، يلجم الجهلاء والمنتفعين والمرتزقين بالدين، منحازاً للعدل والمساواة، وإلا ستبقى ملفاتنا العالقة في ركن الوصاية العابثة بكل المبادئ والقيم الإنسانية. [email protected] zainabghasib@