لم تنم المنامة في ذكرى ربع قرنٍ على تأسيس متحف البحرين الوطني، بل بقيت مستيقظةً تعيش هذه الذكرى عبر سلسلة من النشاطات الموسيقية والأدبية والتاريخية، خلال 12 ساعة وصل فيها الجمهور الليل بالنهار في المتحف ومحيطه. انطلق مهرجان «ما نامت المنامة» الذي تنظمه وزارة الثقافة البحرينية كأول حدث في المنطقة الثامنة ليل الأحد - الاثنين، واستمر حتى السابعة من صباح الاثنين، بحضور وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والعديد من السفراء والشخصيات الديبلوماسية وحضور واسع. ودشنت الوزارة مهرجان اليوبيل الفضي بمعرض «متحف البحرين الوطني إنجاز حضاري رائد» الذي يسرد في تسلسل تاريخي حكاية إنشاء المتحف بدءاً من مرحلة المكتشفات الأثرية، مروراً بالمنجز العمراني ومراحل تطوير العروض، في عرضٍ لتصاميم المكان، وانتهاءً بآخر تطورات العروض المتحفية الجديدة التي من المزمع إطلاقها في النصف الأول من العام المقبل. أما الأمسية الأولى من بعد الجولة، فكانت مع «أوركسترا فرساي» في الصالة الثقافية حيث عزفت روائع الموسيقى الكلاسيكية. ثم افتُتح معرض فوتوغرافي للمصور الفرنسي إريك بونيير في بهو المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، يستعرض الفنان فيه ملامح لقطات لمملكة البحرين وفكرته عن الحياة فيها خلال زيارتيه في 2012 و2013. ومن فرنسا إلى إيطاليا، كان موعد المحتفلين مع بيانو الثنائي الإيطالي لوتشانو بيلليني وأنتونيلا فيتيللي اللذين عزفا مختارات من روائع فيردي وبوتشيني وروسيني. وعند منتصف الليل، كان الانتقال إلى العالم العربي مع سلسلة «أطياف»، فعُقدت جلسة حوار في قاعة المحاضرات في المتحف حول فكر الأديب المصري نجيب محفوظ (يتناوله الإصدار الخامس من سلسلة «أطياف»)، تحدث فيها عبدالقادر فيدوح الذي حرر هذا الكتاب وجمع أوراق العمل المنشورة إثر تواصله مع 20 محللاً ومثقفاً عربياً، بمشاركة نبيلة الزباري. وعند الثانية عشرة والنصف، افتتح معرض أيمن جعفر التشكيلي والحروفي «كوني لقلبي دلمونه» في «مقهى دارسين» في المتحف، مستلهماً من الأختام الدلمونية مواضيع أعماله الفنية التي ارتكزت على تركيب الحروف بأنساق شكلية وفنية معينة. وفي المقهى نفسه، عاش الجمهور في أجواء البحرين قبل 25 عاماً، والتف الحاضرون حول وجبات الطعام التقليدية والشعبية في جو حميم وعائلي. وواصلوا احتفالهم مع فرقة شبابية بحرينية قدمت مجموعة من الألحان الشرقية واللاتينية في مزاوجة فنية جميلة تفصح عن المواهب المحلية. ثم عُرض الفيلم القصير «صبر الملح» للشاب محمد إبراهيم عند الثالثة فجراً في قاعة المحاضرات. والفيلم نال الجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي والجائزة الثانية في مهرجان أبو ظبي السينمائي، كما عرض في مهرجان سانت بطرسبورغ في روسيا. ومع المرشدين السياحيين، انطلق الجمهور بعد الأمسية السينمائية في مختلف أرجاء متحف البحرين الوطني عبر «حكاية متحف» التي عاود من خلالها الحضور التجول في كل أرجاء المكان لإعادة اكتشاف موجوداته ومقتنياته. وهي المرة الأولى التي يُزار فيها المتحف الرابعة فجراً، قبل العودة إلى «مقهى دارسين» مع فقرة «طلعت يا محلا نورها» لتأمل شروق الشمس عند الخامسة صباحاً مع أجواء السمر والموسيقى برفقة عازف القانون نبيل النجار. ومن ثم تناول الحضور وجبة الفطور قرب الواجهات المطلة على البحر، حيث كانت المنامة تعيش ذاكرة المتحف وتتقاسم مع ناسها لحظات الفرح والتأمل.