لماذا ينفعل بعض الفنانين لدى تناول الصحافة حياتهم الشخصية فيطالبون بالتركيز فقط على أعمالهم الفنية؟، وهل المال وحده هو السبب وراء اعترافاتهم الصادمة التي يدلون بها عن طيب خاطر في العديد من برامج الاعترافات التي امتلأت بها الفضائيات العربية في السنوات الأخيرة، والتي انضم إليها أخيراً برنامجا «الخزنة» الذي يقدمه أمير كرارة حالياً على شاشة تلفزيون «دبى»، و «هو ولا هي؟» لرزان مغربي وأحمد فهمي على شاشة قناة «الحياة»، في استكمال لعقد برامج «أنا والعسل» لنيشان، و «سمر والرجال» لسمر يسرى، و «الخطايا السبع» لعمرو الليثي وغيرها؟. حول هذه النوعية من البرامج يقول أستاذ الصحافة في كلية الإعلام الدكتور محمود علم الدين ل «الحياة» إن قضية هذه البرامج تكمن في الشق التجاري وتحقيق الربح وزيادة دخل القناة، وجذب الجمهور باللعب على وتر الإثارة والحديث عن قضايا مسكوت عنها، مثل الجنس والعلاقات غير المعلنة واستقطاب المشاهير من الفنانين «هذه النوعية من البرامج موجودة في معظم أنظمة التلفزيون في العالم كله، على اعتبار أنها أحدى وسائل الترويج. ولكن الاختلاف يكمن في مدى تحكيم الضمير المهني وأخلاقياته، فالتحكم هنا لا يكون عن طريق قوانين وأحكام تشريعية وإنما الفيصل ما بين الابتذال وتقديم مادة جاذبة، هو تفعيل الضمير والآداب والأخلاقيات المهنية». ويضيف: «هناك دائماً مخرج للمستفيدين من هذه البرامج لتبرير تقديمها فهم يرون أن المواطن الذي يعيش وسط كم هائل من الصراع والمشاكل في حاجة إلى جرعة استرخاء وترفيه تنسيه همومه». تحقيق التوازن في المقابل يرى الخبير الإعلامي فاروق أبو زيد إن الحرية مطلوبة ولكن بمسؤولية لتحقيق التوازن بينها وبين قيم وعادات المجتمع، وليس لكونها تحقق نسبة مشاهدة وجذب للمتلقي، ويقول «أصبح المشاهير أنفسهم يستهينون بخصوصياتهم مع أن ميثاق الشرف الإعلامي يكفل لهم حفظها، فأمام أسئلة المذيع الصادمة نجد صراحة في غاية الوقاحة من الفنان نفسه الذي يفضح أسراره ويتطرق إلى علاقاته ونزواته السرية». أما الإعلامي وجدي الحكيم فيتساءل: «لا أعرف ما الذي يجعل الفنانين يضعون أنفسهم في هذا الموقف، مهما كان المقابل المادي الذي يأخذونه، فهم يذهبون إلى المذيعين لكي يحرجوهم ويحدثوهم في تفاصيل حياتهم الشخصية ولا يقدمون أي معلومة للمشاهد، بل يتم التركيز على السقطات الموجودة في حياتهم. ولابد أن يفهم هؤلاء أن الموضوع ليس مجرد تسلية» أما أستاذ الإعلام الدكتور عدلي رضا، فيؤكد أن هذه البرامج هابطة ولا تسعى إلا لتحقيق الربح والإعلانات، ويقول «يفترض أن تسمو القنوات بالقضايا والموضوعات، فليس معنى الحرية الاستباحة، وهذه البرامج خروج عن المهنية وعن احترام المشاهد الذي من حقوقه على الإعلام تقديم مادة محترمة. وهي نوعية بعيدة تماماً من الضمير المهني، حيث أن كل ما يعني القائمين عليها وضيوفها كم سيدخل جيوبهم والاهتمام بمصالحهم المادية دون النظر إلى الأثر السلبي في المتلقي». وتشير مقدمة برنامج «سمر والرجال» سمر يسري إلى أن هدف برنامجها لم يكن الإثارة من أجل تحقيق انتشار لها أو للقناة التي عرض عليها «القاهرة والناس»، وتقول «ربما كان البرنامج صادماً لكنه غير مبتذل، وتميّز بالطرح الموضوعي، واندرج تحت منظومة الإعلام المهني للمذيع وللمحطة التي تعرضه، وحلقات البرنامج لم تكن كلها بالجرأة ذاتها، بل دارت حول محاور مختلفة في مضمونها». ويؤكد المؤلف أحمد الجندي أن الفنانين يقبلون على هذه النوعية من البرامج لعلمهم بمدى جماهيريتها، وهو ما يدفعهم إلى البوح بأسرار بعضها حقيقي، وبعضها غير حقيقي معتقدين أن هذه الأسرار حين يعلنونها ستزيد من شعبيتهم، والفنان يعتقد أن جمهوره سيتعاطف معه أو يصفه بالجرأة والصدق، ويقول «هذه البرامج تدفع أموالاً طائلة لهؤلاء النجوم، والشرط الأساسي لهذه الأموال أن يكون الفنان في إجاباته واعترافاته على مقدار جرأة البرنامج، وكلما كان أكثر جرأة وأباح بالكثير من الأسرار أو هاجم الآخرين بقسوة، تأكد أن المقابل المادي كان باهظاً». إنه عصر الفوضى أما الناقد والمؤرخ الموسيقي بشير عياد، فيرى أننا نعيش عصر الفوضى الإعلامية والإعلانية، مشيراً إلى أن بعض النجوم لا يهمهم فكرة البرنامج الذي يظهرون فيه أو القناة التي تعرضه أو المحاور، بمقدار ما يسأل أولاً وأخيراً عن السعر الذي سيتقاضاه من دون أن يبالي بشيء آخر، ويقول: «أفكار ومواضيع هذه البرامج تحقق الجذب الجماهيري لأنها تتناول قضايا ساخنة ليست ممنوعة وإنما شديدة الخصوصية، والإنسان بطبيعته فضولي يحب أن يعرف تفاصيل الأشياء، ولابد من وجود ضوابط توضع في لوائح الممارسة الإعلامية تحدد أسلوب التعامل مع هذه القضايا بتحكيم الضمير المهني، فلا يجوز خداع الجماهير ببرامج ساذجة».