خرج المؤتمر ال20 للطاقة، الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في العاصمة الإماراتيةأبوظبي الأسبوع الماضي، بعدد من التوصيات المهمة، في مقدمها إيجاد استراتيجية مشتركة بين الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة له للتعامل مع قضايا الطاقة، لتجنب الأزمات في المستقبل، وبناء رؤية عالمية واضحة في ما يتعلق باستخدام مصادر الطاقة التقليدية، خصوصاً مع وجود مصادر غير تقليدية بالنسبة إليها كالنفط والغاز الصخري. وطالبت توصيات المؤتمر المؤسسات المعنية، وفي مقدمها منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة ومراكز الدراسات والبحوث وغيرها، بالاهتمام بقضايا الابتكار والأسواق والجغرافيا السياسية وتأثيرها في أسواق النفط والطاقة، وأن يكون الاستثمار العالمي في مجال الطاقة متناسباً بدقة مع الحاجات لتجنب حدوث أزمات في الأسواق مستقبلاً. ودعا المشاركون في المؤتمر إلى التوسع في الاعتماد العالمي على المدن الذكية ذات البنية التحتية المستدامة في مجال الكهرباء والنقل ومدخلات الإنتاج المستخدمة في مختلف المجالات، ومضاعفة الجهود العالمية لتجنب أزمات المناخ عبر التوسّع في الاستثمار في تخفيف انبعاثات الكربون ومراعاة الجوانب الاجتماعية والبيئية لأي مشاريع تتعلق بتخطيط المدن الذكية، بما يسمح برفع كفاءة استخدام الطاقة ويرتقي بالمعايير البيئية وبحياة السكان. وحثوا على التركيز على الأبعاد الثقافية، ونشر الوعي بين الشعوب بأهمية الارتقاء بكفاءة استخدام الطاقة، وضرورة ترشيد الاستهلاك من أجل تخفيف الأعباء الاقتصادية والآثار السلبية على البيئة. وشهد المؤتمر ال20 للطاقة، الذي عقد بعنوان «الاتجاهات المستقبلية للطاقة.. الابتكار والأسواق والجغرافيا السياسية»، برعاية ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مشاركة رئيس الحكومة الإسبانية خلال الفترة من 1996 إلى 2004 خوسيه ماريا أزنار. وأكد أزنار خلال حديثه أمام المؤتمر أن الاهتمام العالمي بقضايا الطاقة اتسع خلال العقود الماضية، ولم يقتصر هذا الاهتمام على قضايا الاستهلاك والإنتاج فقط، لكن زاد الاهتمام بقضايا البيئة وما يترتب على التوسع العالمي في استهلاك الطاقة من آثار، وبالقضايا الجيوسياسية المرتبطة بالطاقة، خصوصاً مع دخول المزيد من اللاعبين في الأسواق وفي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي دفعت إلى الكثير من التغيرات. وفي شأن التحديات التي تواجهها أسواق الطاقة العالمية في المستقبل، ذكر أزنار أن هناك ثلاثة سيناريوهات في هذا الشأن وهي: أولاً النمو السكاني الكبير، فعدد سكان العالم الذي تضاعف خمس مرات خلال العقود الماضية سيستمر في النمو وإن كان بشكل أقل نسبياً، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى تسعة بلايين نسمة في 2050. وقال إن السيناريو الثاني يتمثل في النمو الاقتصادي العالمي، فعلى رغم أن هناك صعوبات على مستوى النمو في المدى القصير، فإن الأجل الطويل سيشهد المزيد من النمو من دون شك، فيما يتمثل السيناريو الثالث في نمو استهلاك الطاقة العالمي الذي زاد بنحو 50 في المئة خلال العقدين الماضيين، ومن المتوقع أن ينمو نحو 40 في المئة خلال العقدين المقبلين. وأضاف: «إذا أخذنا هذه الإحصاءات فإن التحديات على مستوى الطاقة تكون بارزة، وهي تتعلق بمدى القدرة على تحقيق التوازن بين الطاقة الرخيصة والجيدة من ناحية، والتعامل مع التغيّر المناخي من ناحية أخرى، وذلك مهم لاستمرار النمو المستدام». وحول ما تواجهه أسواق النفط والطاقة العالمية من تحديات الآن خصوصاً على المستوى الجيوسياسي، أكد أزنار أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الأسواق مثل هذه التحديات، لكن هذه المرة تكمن المشكلة في سرعة الأحداث وتنوعها، فهناك التوترات في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا، وهناك التغيّر المناخي أيضاً، ونحن بحاجة إلى حكومات تأخذ كل هذه الصعوبات في الاعتبار. وتوقع أن تبقى جميع مصادر الطاقة بما فيها النفط مهمة في المستقبل، لكن تظل هناك حاجة إلى تأمين الأسعار لكي تكون قابلة للتوقع ورخيصة نسبياً، ومن المهم تعزيز الشفافية لأسواق النفط والطاقة التي ستكون مهمة للجميع، وهناك حاجة إلى ضمان أمننا على مستوى الطاقة والمحافظة في الوقت نفسه على المناخ، والعمل بشكل جاد لدعم الاستقرار والشفافية. بريطانيا تملك 260 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري أكدت ورقة بحثية تم عرضها في الجلسة الثانية من المؤتمر ال20 للطاقة، وقدمها أستاذ النفط غير التقليدي في قسم علوم الأرض في جامعة دورهام في المملكة المتحدة الدكتور أندرو أبلين، بعنوان «تقييم دور النفط والغاز غير التقليديين»، أن المهندسين لا يستطيعون معرفة حجم النفط أو الغاز الذي يمكن استخراجه من البئر الخاصة بالنفط الصخري إلا بعد بدء عملية الحفر. وقال: «في المملكة المتحدة أفادت هيئة المسح الجيولوجي البريطانية بأن لدى المملكة نحو 260 تريليون قدم مكعبة من الغاز الصخري، وهي تكفي استهلاكها لمدة 80 عاماً»، مشيراً إلى أنه على مستوى أوروبا يبلغ إجمالي الغاز الصخري القابل للاستخراج 190 تريليون قدم مكعبة، إلا أن هناك قدراً كبيراً من الشكوك بشأن النسبة القابلة للاستخراج. وذكر أبلين أن الارتفاع في إنتاج النفط الأميركي كان مدفوعاً بموقعين للنفط الصخري هما «باكين» و«إيغل فورد»، غير أن منحنيات إنتاج هذين الموقعين انحدرت بشكل حاد وصل معدله إلى 84 في المئة خلال ثلاثة أعوام. وفي شأن المستقبل قال أبلين، إنه بحلول عام 2035 سيظل الوقود الأحفوري يشكل أهمية في مزيج الطاقة العالمي المستخدم، ولن تتغيّر نسبة النفط والغاز والفحم كثيراً. جولد:أزمات الشرق الأوسط ومشكلات أوروبا تهدد أسواق الطاقة اعتبر محلل الطاقة الرئيس بالوكالة الدولية للطاقة تيموثي جولد، في ورقة بعنوان: «ديناميات الطاقة العالمية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. التكنولوجيا والاقتصاد والأمن والاستدامة»، قدمها خلال الجلسة الرابعة للمؤتمر ال20 للطاقة، أن ما يشهده الشرق الأوسط وليبيا والعراق من أزمات، وما تشهده أسواق الطاقة في أوروبا من مشكلات بسبب الأزمة بين أوكرانياوروسيا تهدد أسواق الطاقة، إضافة إلى قضايا أخرى كالنفط والغاز الصخري. وتحدث جولد عن دور الصين في أسواق الطاقة العالمية، وقال إن دورها كمحفز للطلب سيتراجع ويكون كما حدث في الأعوام الماضية، بل سيتصاعد في دول ومناطق أخرى ومنها الهند وإفريقيا والشرق الأوسط. وبالنسبة إلى النفط الصخري المنتج في أميركا الشمالية، قال جولد إن هناك بعض التحديات التي تقلل من فرص وصول هذا المورد إلى الأسواق، خصوصاً في ما يتعلق بالنقل. أما بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة فالقول إنها ستتحول إلى مصدر صافٍ للنفط هو قول غير منطقي إلى حد بعيد، إذ إنها ستبقى تعاني عجزاً في أسواق الطاقة حتى عام 2040. بيلي: أسواق آسيا الأكثر طلباً على الطاقة قال الباحث الأول في مركز دراسات الاتحاد الأوروبي وروسيا في جامعة تارتو في إستونيا الدكتور أندري بيلي، في ورقته البحثية التي جاءت بعنوان: «أسواق الغاز الدولية.. الفرص والتحديات لمجموعة الدول المصدرة للغاز»، إن أهم العوامل المؤثرة في أسواق الطاقة في الوقت الحالي هي الطلب على الطاقة والتطورات التي يشهدها قطاع الغاز الطبيعي. وذكر أن الأسواق الآسيوية هي الأكثر طلباً على الطاقة الآن، ومن ثم فمن المنطقي أن نجدها تتجه بشكل أكثر نحو الغاز الطبيعي الذي تنخفض أسعاره نسبياً مقارنة بالنفط. وتوقع بيلي ألا يستمر الانخفاض الحالي في أسعار النفط، وقال إن من المرجح أن تعود الأسعار إلى الارتفاع قريباً. وفي ورقة بعنوان: «المدن الذكية.. تطبيق التكنولوجيا الجديدة في مجال الطاقة المتجددة»، قال رئيس مركز المجتمعات المستدامة في جامعة إدنبرة نابيير في المملكة المتحدة الدكتور مارك ديكين، إن تصميم المدن ومراكز التركز الحضري وتخطيطها والأحياء والمباني لها تأثيرها الكبير في استهلاك الطاقة ومعدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون. وأكد ديكين أن هذا الأمر بدوره مرتبط مباشرة بالبنية التحتية للشبكة الكهربائية في المناطق الموفرة للطاقة والمنخفضة الكربون. وذكر أنه إذا كان أسلوب حياة كل فرد على الكرة الأرضية مماثلاً لأسلوب حياة الأوروبيين فإننا سنكون بحاجة إلى ثلاثة كواكب مثل كوكب الأرض لكي نلبي حاجاتنا. وتطرق إلى تجارب التحول التي تشهدها مدينة لندن والمعروفة باسم «مشروع هاك بريدج»، وهو مشروع تحديثي شامل صمم ليكون ضاحية مستدامة ذات مراكز وأحياء ومبانٍ مميزة وضعت على أساس كونها موفرة للطاقة ومنطقة منخفضة الانبعاثات الكربونية. النقي:الطاقة المتجددة عنصر مكمِّل وليس بديلاً في ورقة بعنوان: «النفط التقليدي والغاز والفحم: هل نحن بصدد صراع من أجل الهيمنة؟»، قدمها الأمين العام منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) عباس علي النقي، أوضح أنه حتى عام 2013 كانت الدول العربية تستحوذ على ما نسبته 55.8 في المئة من إجمالي الاحتياط العالمي من النفط الخام، وكانت تسهم بما نسبته 30 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي. وكانت بلدان «أوبك» غير العربية تنتج ما نسبته 13.3 في المئة من الإنتاج على رغم امتلاكها 24.4 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي. ومن اللافت للانتباه أن أميركا الشمالية تنتج ما يزيد على 16 في المئة من إجمالي النفط العالمي، وذلك على رغم أنها لا تملك سوى 3.7 في المئة من إجمالي الاحتياط العالمي. وفيما يخص الغاز الطبيعي، تستحوذ الدول العربية على ما نسبته نحو 27.3 في المئة من الإمدادات العالمية من الغاز، غير أنها لا تنتج سوى 16 في المئة من الإجمالي العالمي، وتملك أميركا الشمالية ما نسبته 6.5 في المئة من الإجمالي العالمي، بينما تنتج ما نسبته 25.8 في المئة. وستبقى أشكال الطاقة المتجددة عنصراً مكمِّلاً وليس بديلاً، وتشهد أسعار الغاز المحلية في الولاياتالمتحدة تراجعاً بسبب معدل الإنتاج اليومي من الغاز الصخري. إيران تخطط لرفع إنتاجها النفطي إلى 4 ملايين برميل يومياً كشفت ورقة بحثية بعنوان: «إيران.. إمكان العودة التامة إلى أسواق الطاقة وتأثيراتها المحتملة»، عرضتها رئيسة شركة «إس في بي إنرجي إنترناشيونال» بالولاياتالمتحدة الأميركية الدكتورة سارا فاخشوري، خلال الجلسة الثالثة بمؤتمر الطاقة، عن أن لدى إيران خطة استثمار خمسية للاستثمار في قطاع النفط، لتعزيز قدراتها الإنتاجية للنفط والغاز والصناعات البتروكيماوية، فهي تهدف من هذه الخطة إلى زيادة إنتاجها من النفط إلى 4 ملايين برميل يومياً، وزيادة إنتاج الغاز وتصديره إلى الدول المجاورة كتركيا والبحرين. وبالنسبة إلى الغازولين، قالت فاخشوري، إن إيران تستهدف تطوير قدراتها بما يمكّنها من تصديره عام 2017. وأوضحت أن إيران تواجه تحديات تتعلق بتأمين الاستثمارات اللازمة لتنفيذ هذه الخطط الاستثمارية، بسبب تراجع الأسعار العالمية والعقوبات أيضاً، ومنذ عام 2011 لم يتم رصد تكنولوجيات جديدة تدخل قطاع النفط الإيراني بسبب هذه العقوبات، لكنها اعتمدت نظاماً جديداً للعقود النفطية أخيراً لأجل تخفيف أثر العقوبات، وتسمى هذه العقود الجديدة «العقود التشاركية». وقالت: «في حال اتفقت إيران مع الغرب في شأن برنامجها النووي فإن العقوبات الأوروبية وعقوبات الأممالمتحدة المفروضة على صادراتها النفطية سيتم تقليصها، ما يرفع صادراتها النفطية نحو 600 ألف برميل يومياً. لكن بالنسبة إلى العقوبات الأميركية فليس من المعتقد رفعها بالكامل، لأنها مفروضة من الكونغرس لأسباب أخرى ليس لها صلة ببرنامجها النووي». وأضافت: «في حال عادت إيران إلى سوق الطاقة سيزداد إنتاجها من النفط والغاز والغازولين، وسيؤدي ذلك إلى زيادة المنافسة العالمية على الأسعار، إذ ستسعى إيران إلى الحصول على حصة أكبر من السوق، وهناك تساؤلات في شأن ما يمكن أن يحدث في منظمة «أوبك» في هذه الحال». وفي شأن تأثير ذلك في النفط الصخري، قالت، إن من المتوقع أن يستمر إنتاجه في الارتفاع، لأن السوق استثمرت كثيراً في هذا الأمر. تشارليز:أوروبا مستعدة للتعامل مع أزمات الغاز بسبب أوكرانيا تحدث الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية والاجتماعية المحاضر في سياسات الطاقة بالجامعة الأوروبية في سانت بطرسبورغ بروسيا الاتحادية الدكتور جاك تشاربلز، إذ قدم ورقة بحثية بعنوان: «تحديات أمن الطاقة لأزمة أوكرانيا»، وقال إن الدول الأوروبية الآن بسبب الأزمة الأوكرانية أصبحت مستعدة أكثر من أي وقت مضى للتعامل مع أزمات الغاز. وأشار إلى الاتفاق الأخير الذي تم بين روسياوأوكرانيا في شأن استئناف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وتساءل عما يمكن أن يحدث إذا لم يتم الوفاء بهذا الاتفاق. ولفت إلى أن أوروبا تعتمد كثيراً على الغاز الروسي، وذلك من خلال أنابيب الغاز الثلاثة التي تأتي من الخارج، والخط الأهم فيها يأتي عبر أوكرانيا التي يمر فيها 55 في المئة من الغاز الروسي الذاهب إلى أوروبا.. وفي المقابل فإن روسيا تعتمد هي الأخرى على تصدير الغاز عبر أوكرانيا، إذ يمر في أراضي أوكرانيا نحو 160 مليون متر مكعب من الغاز الروسي يومياً، وبالتالي ففي حال توقف عبور الغاز الروسي إلى أوكرانيا، فإن ذلك سيؤثر في كل الأطراف، وكذلك بالنسبة إلى الدول الأوروبية. وأضاف «في أفضل السيناريوات قد لا تتمكن من تأمين حاجات الغاز الخاصة بها أكثر من ثلاثة أشهر، نظراً إلى محدودية مخزونها منه، بل إن هناك دولاً ليس لديها أي مخزون، ومنها إيطاليا، وهنا ستكون ضرورة لهذه الدول لتأمين مصدر آخر بدلاً من الغاز الروسي بشكل آني، وقد تضطر هذه الدول إلى تقاسم المخزونات المتاحة في دول أوروبية أخرى عبر التفاوض معها». وفي ورقة بحثية عن «طفرة النفط والغاز غير التقليدي في الولاياتالمتحدة الأميركية وإمكان استقلال الطاقة»، تحدثت كبيرة خبراء اقتصاد الطاقة بمكتب الجيولوجيا في أوستن بالولاياتالمتحدة الأميركية الدكتورة ميشيل فوس، عن عدد من القضايا، وأكدت فوس أن الظروف الاقتصادية هي التي ساعدت الولاياتالمتحدة في تطوير إنتاجها النفطي، وخصوصاً أن ارتفاع أسعار النفط العالمية ساعد في حشد الاستثمارات في قطاع الغاز الصخري. وأشارت إلى أن انخفاض أسعار النفط الأخير فرض تحدياً جديداً، فمن الصعب بمكان استدامة الغاز الطبيعي في بيئة يبلغ فيها سعر برميل النفط 80 دولاراً.