يحتل موضوع القراءة والمطالعة مكاناً بارزاً في حياة الألمان، فهم يستغلون أي وقت فائض لديهم سواء في القطار أم المحطة أم العيادة لقراءة كتاب أو صحيفة، وكشفت آخر الإحصاءات أن المطابع الألمانية تنتج حوالى مليون كتاب سنوياً. وينعكس أثر القراءة على مختلف فئات المجتمع وشرائحه، بمن فيها الأطفال. لذا، احتلت القراءة لدى الأطفال منذ أيام موقع الصدارة في هذا البلد حيث قرأ متطوعون بعضهم سياسيون ومشاهير أمثال الرسام مايكل تريغل والكاتب يوجين روج بصوت عالٍ للأطفال، مقاطع من قصص وكتب، سعياً إلى إحياء حال القراءة، وتأكيد أهميتها لدى الأطفال، وتعزيز الرغبة لديهم بالمطالعة. وترافقت المناسبة مع مبادرات مختلفة ومثيرة. فقد شارك رئيس وزراء ولاية سكسونيا ستانيسلاف تليك من (الحزب الديموقراطي المسيحي) بهذا اليوم، إذ خصص يوم الجمعة لتلامذة المدارس الابتدائية في حي بوتسن بدلاً من استقباله وزراء ونواباً، وقرأ مقاطع من كتاب «غابة المغامرة» للأطفال، مقدماً مثالاً يحتذى لعدد كبير من الآباء الذين لا يملكون وقتاً كافياً للقراءة لأطفالهم. واعتبر أحد الآباء المشاركين في المناسبة أن «القراءة للأطفال، غاية في الأهمية لتحفيز خيالهم، كما أنها متعة لي». كما تضمنت المناسبة فعاليات عدة، ومنها دعوة المكتبة المركزية الألمانية للأطفال الضعفاء البصر والمكفوفين، متطوعين إلى مشاركة هؤلاء متعة القراءة وفائدتها ولو عبر السمع. ومن أهداف القراءة بصوت عالٍ أيضاً، إثارة الحماسة لهذه الهواية، وتشجيع محو الأمية على المدى الطويل، بالتالي توفير فرص التعليم للأطفال. في هامبورغ، إحدى أكبر المدن الألمانية، تجاوز عدد المتطوعين ال80 ألفاً. وشمل النشاط الذي استمر 9 أيام، القطارات والأماكن المفتوحة للمشي ورياض الأطفال والمدارس. ونوّه يورغ إف ماس الرئيس التنفيذي لمؤسسة القراءة، بنجاح هذه البادرة «التي تعكس تزايد الوعي لأهمية القراءة بصوت عالٍ لنمو الأطفال، والتأكد من أنها جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية». إحدى الأمهات وهي تعمل في مجال الحوسبة، تبدو مقتنعة بفعالية القراءة بصوت عالٍ، وتلفت إلى أنه «في عالمنا الرقمي وسرعة وتيرة الأحداث، غالباً ما ننسى أن القراءة للأطفال عامل مهم جداً لإلهامهم وتحفيز خيالهم». ويعتقد كثر أن طبيعة الحياة الرقمية التي تعتمد السرعة في كل شيء، حرمت أطفال الجيل الحالي، من «سحر الحكايات» الذي كانت المتعة الوحيدة للأطفال في أيام خلت. وتأتي مبادرة القراءة بصوت عالٍ لتحييها وتؤكد أهمية العودة إلى وسائل الجدات في تربية الطفل. ومن ناحية الأطفال، تعتبر أيام القراءة هذه من أجمل الأيام التي يمضونها، يقول جان: «عندما أقرأ قصصي وحدي، أشعر بالملل في أحيان كثيرة لكن، عندما تقرأها لي أمي أو شخص آخر لا ينتابني الملل أبداً». وتشعر زميلته بأهميتها عندما تعلم «أن أحد المتطوعين سيقرأ لي، كما أشعر بالمسؤولية تجاه الكتاب الذي يُقرأ». أما لورا التي لم تتجاوز سنواتها السبع، فتنبّه إلى فكرة أخرى: «أنا لا أجيد حتى الآن القراءة، وأصرف وقتاً طويلاً في تهجئة الكلمة. أما عندما يقرأ أحدهم لي، فإنني أتخيل الأحداث في شكل أفضل». ويتحدّث الصبي هاري عن علاقته بالكتاب الذي يعني له «منذ الصغر الوقت الذي سأمضيه مع أبي، وهو خصص لي منذ سنواتي الأولى وقتاً ليقرأ لي، فارتبط الكتاب في عقلي بأبي». ويؤكد القائمون على هذا النشاط التربوي، أن هذه الباردة تؤسس جيلاً يعتاد على القراءة، وتخلق ارتباطاً حقيقياً بين الحياة اليومية والكتاب، فيصبح جزءاً منها.