ماذا يعني تعيين مدير مكتبة الإسكندرية إسماعيل سراج الدين مستشاراً لرئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب لشؤون الثقافة والعلوم والمتاحف؟ هو أمر مثير للدهشة، بما أن حكومة محلب تضم وزيراً للثقافة، هو الدكتور جابر عصفور، ويفترض أن «يستشيره»، متى احتاج إلى ذلك. هذا التطور الذي يعد فريداً من نوعه في مصر الرسمية، أثار ردود أفعال في الوسط الثقافي المصري غلب عليها الاستغراب، وفيما التزم المعني مباشرة بالأمر؛ الوزير جابر عصفور، الصمت، ذهب الروائي يوسف زيدان إلى حد عبثي من الاحتجاج عليه، تمثَّل في إعلانه اعتزال «العمل الثقافي» داخل مصر وخارجها، فضلاً عن الاستقالة من عضوية اتحاد الكُتاب! فما أن نُشر الخبر الذي أفاد بتعيين سراج الدين في ذلك المنصب، مع احتفاظه بمنصب مدير مكتبة الإسكندرية، بادر صاحب رواية «عزازيل»، الفائزة بجائزة البوكر العربية في دورتها الثانية، بإصدار بيان جاء فيه «... ولأن السيل قد بلغ الزُّبى، ولأننى تأكدتُ من أنني كنت حتى اليوم أحارب طواحين الهواء؛ أُعلن الآتي: «اعتباراً من هذه الليلة، سأتوقّف عن أي فعل وتفاعل ثقافي في مصر والبلاد العربية وسأنقطع عن الكتابة الأسبوعية في جريدتي الأهرام والوطن (وأي جريدة أخرى) وسأكفُّ عن كل الاجتهادات التثقيفية والصالونات الثقافية والندوات واللقاءات الفكرية التي أُقيمها في القاهرةوالإسكندرية، وغيرهما من المدن المصرية. ولن أشارك من الآن فصاعداً في أي حدث عام، ثقافي أو غير ثقافي، في مصر أو في غيرها، ويتضمن ذلك اعتذاري عن عدم سفري إلى المغرب بعد غدٍ، لإقامة نشاطات فكرية و ثقافية عدة في الرباط»! وعلى أية حال، فإن خلاف زيدان مع سراج الدين يرجع إلى فترة تولي الأول منصب مدير مركز المخطوطات في مكتبة الإسكندرية والذي يقول إنه استقال منه (قبل نحو عامين) احتجاجاً على وقائع فساد داخل المكتبة، فيما يؤكد البعض أنه أقيل بعد أن شنّ حملة في بعض الصحف ضد سراج الدين، على أمل إقالة الأخير، فيصبح الطريق ممهداً أمامه لتولي المنصب الذي يختار من يشغله مجلس أمناء يضم أعضاء من دول ومنظمات دولية مختلفة. وهكذا، توارى الاستغراب من قرار محلب، لتتصدر المشهد، حال من التهكم من رد فعل يوسف زيدان، خصوصاً بعد أن كسر بنفسه قرار «الاعتزال»، وأصدر بياناً ثانياً بعد الأول بأقل من 24 ساعة، أعلن فيه الاستقالة من عضوية اتحاد الكتاب المصريين، «لتقاعسه، ولا أقول خنوعه، عن مواجهة القرارات الحكومية الخاصة بالمناصب الثقافية واختيار من لا يصلحون لها»، وفي البيان نفسه تذكر زيدان أن عليه أن ينتقد مجلس إدارة اتحاد الكتاب المصريين لأنه ساهم في مشروع قناة السويس الجديد بملايين الجنيهات من دون الرجوع إلى الجمعية العمومية. ومن جانبه، رد رئيس الاتحاد نفسه محمد سلماوي بأن ناشد زيدان، متهكماً، أن يتراجع عن استقالته، وأن يسدد الاشتراك السنوي المستحق عليه للاتحاد بعد أن توقف عن سداده طوال السنوات العشر الأخيرة. يبقى أن البحث عن متضرر من قرار يوسف زيدان (1958)، الخاص باعتزال العمل، لن يفضي إلا إلى يوسف زيدان نفسه، الذي سبق أن استغنت جامعة الإسكندرية عن خدماته منذ سنوات عدة، بعد أن وصل إلى درجة أستاذ في الفلسفة وتاريخ العلوم.